الأرض من بعدهم لننظر كيف تعلمون (14).
اللغة: القرون: جمع قرن، وهو أهل عصر سموا بذلك لمقارنة بعضهم لبعض، ومنه قرن الشاة، لمقارنته آخر بإزائه. والقرن بكسر القاف: هو المقاوم لقرينه في الشدة.
الاعراب: موضع كيف: نصب بقوله (تعملون) وتقديره لننظر أخيرا تعملون، أم شرا، ولا يجوز أن يكون معمول (ننظر) لأن ما قبل الاستفهام، لا يعمل في ما بعده.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عما نزل بالأمم الماضية من المثلات، وحذر هذه الأمة عن مثل مصارعهم، فقال: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم) بأنواع العذاب (لما ظلموا) أنفسهم بأن أشركوا وعصوا (وجاءتهم رسلهم بالبينات) أي:
بالمعجزات الظاهرة، والدلالات الواضحة (وما كانوا ليؤمنوا) هذا إخبار بأن هذه الأمم إنما أهلكوا لما كانوا في المعلوم انهم لو بقوا لم يكونوا يؤمنون بالرسل الذين أتوهم، والكتب التي جاؤوهم بها، واستدل أبو علي الجبائي بهذا على أن تبقية الكافر واجبة، إذا كان المعلوم من حاله، أنه يؤمن فيما بعد (كذلك نجزي القوم المجرمين) أي: كذلك نعذب القوم المشركين في المستقبل إذا لم يؤمنوا بعد قيام الحجة عليهم، وعلمنا أنهم لا يؤمنون، ولا يصلحون.
(ثم جعلناكم) يا أمة محمد (خلائف في الأرض من بعدهم) أي: من بعد القرون التي أهلكناهم، ومعناه: أسكناكم الأرض خلفهم (لننظر كيف تعملون) أي: لنرى عملكم أين يقع من عمل أولئك، أتقتدون بهم فتستحقون من العقاب مثل ما استحقوه، أم تؤمنون فتستحقون الثواب. وإنما قال (لننظر) ليدل على أنه سبحانه يعامل العبد معاملة المختبر الذي لا يعلم الشئ، فيجازيه على ما يظهر منه، دون ما قد علم أنه يفعله، مظاهرة في العدل، والنظر في الحقيقة لا يجوز على الله تعالى، لأنه إنما يكون بالقلب، وهو التفكر، وبالعين وهو تقليب الحدقة نحو المرئي، التماسا لرؤيته مع سلامة الحاسة. وأحد هذين لا يجوز عليه سبحانه، وإنما يستعمل ذلك في صفاته على وجه المجاز والاتساع، فإن النظر إنما هو لطلب العلم، وهو سبحانه يعامل عباده معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم، ليجازيهم بحسبه.