ووجه الغرابة، أن الذي استنكره أحمد إنما هو رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يتوجه إليه قول الحافظ (وصحته بعيدة...) وما بعده من التعليل، لا الموقوف، فلعل ضمير " استنكره " في كلامه راجع إلى الحديث الذي ساقه الحافظ قبل هذا وهو عن عائشة قالت:
" سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعت قال: ما صنعت في سفرك؟ قلت:
أتممت الذي قصرت، وصمت الذي أفطرت، قال: أحسنت، هذا لفظ الحديث في شرح الرافعي، فقال الحافظ في تخريجه:
(النسائي والدارقطني والبيهقي من حديث العلاء بن زهير عن عبد الرحمن ابن الأسود عن عائشة:
" أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أتممت وقصرت، وأفطرت وصمت، فقال: أحسنت يا عائشة، وما عاب علي ".
وفي رواية الدارقطني " عمرة في رمضان " واستنكر ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان، وفيه اختلاف في اتصاله، قال الدارقطني: عبد الرحمن أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق، وهو كما قال ففي تاريخ البخاري وغيره ما يشهد لذلك، وقال أبو حاتم: دخل عليها وهو صغير، ولم يسمع منها.
قلت: وفي ابن أبي شيبة والطحاوي ثبوت سماعه منها، وفي رواية للدارقطني: عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة. قال أبو بكر النيسابوري: من قال فيه عن أبيه أخطأ. واختلف قول الدارقطني فيه، فقال في السنن: إسناده حسن. وقال في العلل: المرسل أشبه ".
قلت: ولعل الإرسال هو علة الحديث، وقد تعلق بعضهم في إعلاله بالعلاء بن زهير لقول ابن حبان فيه. " يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات ".
فقد رد الذهبي ثم العسقلاني هذا القول بأن العبرة بتوثيق يحيى يعني أن ابن معين قد وثقه، فلا يعتد بتضعيف ابن حبان إياه، لا سيما وهو قد أورده