فحكم ابن الجوزي بوضعه إسراف، ولذلك تعقبه العلماء وردوه عليه كالحافظ ابن حجر، وقد نقلت كلامه في " الصحيحة " (308) وابن غرموني في تنزيه الشريعة " (2 / 304 - 305) ومن قبله الحافظ السخاوي في " المقاصد " فقال بعد أن ساق طرقا، وآخرها طريق عبادة:
" ومع وجود هذه الطريقة وغيرها مما تقدم لا يحسن الحكم عليه بالوضع، لا سيما وفي الباب عن أبي قتادة ".
(تنبيه) كنت ذكرت في " الصحيحة " طريقا أخرى حديث أبي سعيد عن رواية عبد بن حميد حسنتها هناك وصححت الحديث بها مع بعض الشواهد المشار إليها، ثم تبينت أن هذه. الطريق ليست لهذا الحديث، وإنما لحديث آخر قبله في " المنتخب "، انتقل بصري إليها، عقب كتب المتن في المسودة، وجل من لا يسهو، ويعود الفضل في تنبيهي لذلك إلى بعض إخواننا المثقلين بهذا العلم الشريف، في مقدمتهم فضيلة الشيخ عبد الرحيم صديق المكي، جزاهم الله خيرا.
ولكن يجب التنبيه أيضا إلى أن الحديث لم ينزل بذلك إلى مرتبة الضعف كما توهم بعضهم، وإنما إلى مرتبة الحسن، كما بينه آنفا.
وإن مما ينبغي ذكره بهذه المناسبة أن الحديث الحسن لغيره، وكذا الحسن لذاته من أدق علوم الحديث وأصعبها، لأن مدارهما على من اختلف فيه العلماء من رواته، ما بين موثق ومضعف، فلا يتمكن من التوفيق بينها، أو ترجيح قول على الأقوال الأخرى، إلا من كان على علم بأصول الحديث وقواعده، ومعرفة قوية بعلم الجرح والتعليل ومارس ذلك عمليا مدة طويلة من عمره، مستفيدا من كتب التخريجات ونقد الأئمة النقاد عارفا بالمتشددين منهم والمتساهلين، ومن هم وسط بينهم، حتى لا يقع في الإفراط والتفريط، وهذا أمر صعب قل من يصير له، وينال ثمرته، فلا جرم أن صار هذا العلم غريبا من العلماء والله يختص بفضله من يشاء.
862 - (حديث: " كان النبي (صلى عليه وسلم) يبعث على الصدقة سعاة،