في المائع مطلقا الا ان يثبت اجماع على خلافه واثبات كون بعض الوجوه المذكورة مطهرا مشكل كما أن اثبات عدمه أيضا مشكل لفقد دليل تام على أحد الجانبين فالمسألة محل الاشكال وان قلنا بتوقف الطهارة على وصول الماء إلى كل جزء من اجزائه أشكل الحكم بالطهارة في الدهن وأمثاله لما ذكره جماعة من أن العلم بوصول الماء إلى جميع اجزاء الدهن غير ممكن بل قد يعلم خلافه لان الدهن يبقى في الماء مودعا فيه غير مختلط به وانما يصيب سطحه الظاهر واما غيره من المائعات فالظاهر على القول المذكور ان تطهيرها يتوقف على شيوعها في الماء واستهلاك فيه بحيث لا يبقى شئ من اجزائه ممتاز إذ مع الامتياز لا يحصل العلم بنفوذ الماء إلى ذلك الجزء وإذا حصل الاستهلاك على الوجه المذكور لم يبق المائع على الحقيقة التي كان عليها والظاهران مثل هذا لا يسمى تطهيرا في الاصطلاح ومن هيهنا قيل إن النزاع بين المصنف وغيره في تطهير غير المضاف من المائعات لفظي وهو غير بعيد وعلى القول المذكور فالثوب المصبوغ بالمتنجس المائع يتوقف طهره قبل الجفاف على استهلاك الماء للاجزاء المائعة من الصبغ وكذا القول في ليقة الحبر المتنجس إما بعد التجفيف فيمكن طهارة الثوب وان بقى اجزاء الصبغ فيه إذا علم نفوذ الماء في جميع تلك الأجزاء واما طهارة الليقة ففيه اشكال لان الاجتماع الحاصل في اجزائها موجب لعدم نفوذ الماء في الأجزاء الداخلة الا بعد المرور على الخارجة وتكرر مرور الماء على اجزاء الحبر موجب لتغيره وخروجه من الاطلاق والحال ان التطهير متوقف على بقاء الماء على اطلاق الاسم ولو فرض الامر على خلاف ذلك حصلت الطهارة ولو فرضت المماثلة بين بعض أنواع الصبغ والحبر في الحكم المذكور كان له حكم الحبر وبالجملة الحكم يختلف في أنواع الصبغ والحبر فينبغي اعتبار ذلك الثالثة عشر قال في المنتهى الصابون إذا انتقع في الماء النجس والسمسم والحنطة إذا انتقعا كان حكمهما حكم العجين يعني في عدم قبول التطهير بالماء لان ظاهره ذلك في العجين ثم حكى عن بعض العامة أنه قال في الحنطة والسمسم إذا تنجسا بالماء واللحم إذا كان مرقه نجسا يطهر بان يغسل ثلثا ويترك حتى يجف في كل مرة فيكون ذلك كالعصر ثم قال وهو أقوى عندي لأنه قد ثبت ذلك في اللحم مع سريان اجزاء الماء النجسة فيه فكذا ما ذكرناه ولا يخفى ان الحكم بالغسل ثلثا وكذا تنزيل الجفاف منزلة العصر غير معهود عن مذهب المصنف ولعل مراده من الحكم بقوة ما حكاه ليس الا اثبات القبول للتطهير واما اعتبار التعدد والجفاف فغير منظور إليه ويؤيد ذلك تعليل الحكم بحال اللحم مع أن الثابت على ما قرره هو وغيره طهارته بالغسل إذا وقع في مرقه ما يقتضى التنجيس ويؤيده أيضا انه اقتصر في النهاية على الحكم بقبولها للتطهير ثم ما دل على الحكم المذكور في اللحم روايتان الأولى رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخه وإذا في القدر فارة قال يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل والاخرى رواية زكريا ابن ادم قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق قال يهراق المرق أو يطعمها أهل الذمة أو الكلاب واللحم اغسله وكله وقد يقال كلتا الروايتان ضعيفتان فالتعويل في الحكم على الثبوت في اللحم ليس بجيد ومع هذا فالحق ان امكان التطهير في الكل ثابت لكنه موقوف على العلم باستهلاك الماء الطاهر لاجزاء النجس ويزيد في خصوص اللحم زوال الأجزاء الدهنية التي حكم بنجاستها في حال المائعية واما ما عرض له التنجيس وهو جامد فإنما ينجس ظاهره ويطهر بالغسل كسائر الجامدات وفيه نظر لأنه غير بعيد التعويل على الروايتين بناء على سلامتها عن المعارض وكونهما معمولين عند الأصحاب مشهورين بينهم وعلى تقدير التسليم فاثبات توقف التطهير على ما ذكره يحتاج إلى دليل إذ لا دليل على استصحاب حكم النجاسة في محل النزاع على ما أشرنا إليه مرارا ثم إن قلنا بتوقف طهارة اللحم على زوال الأجزاء الدهنية المذكورة فالظاهر أن الموقوف عليه زوال الأجزاء التي وقعت النجاسة فيها مما لاقي ظاهر اللحم أو يفسد فيه بعد وقوع النجاسة الا ان يكون متصلا بالأول متحدا معه فتدبر الرابعة عشر زوال حكم النجاسة يتوقف على زوال العين إن كان لها عين أو استحالتها وذلك في مواضع مخصوصة سيجيئ بيانها ولا عبرة ببقاء اللون والرائحة قد حكى المحقق اجماع العلماء على ذلك والظاهر أنه لا خلاف فيه الا أنه قال المصنف في النهاية بعد أن حكم بان بقاء اللون غير ضائر ولو بقيت الرائحة كرائحة الخمر وهي عسرة الإزالة فالأقرب الطهارة كاللون لجامع مشقة الإزالة ولو بقى اللون والرائحة وعسر ازالتهما ففي الطهارة اشكال والظاهر ما ذكرناه لحسنة ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له الاستنجاء حد قال لا حتى ينقى ماثمه (ماشمه خ ل) قال (فإنه ينقى ماثمة) ويبقى الريح قال الريح لا ينظر إليها ويدل على اغتفار اللون رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال سألته أم ولد لأبيه فقالت جعلت فداك اني أريد ان أسئلك عن شئ وانا استحيى منه قال سليني ولا تستحي قلت أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب اثره قال اصبغيه بمشق حتى يختلط به ويذهب اثره وعن عيسى بن منصور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض فغسلته فبقى اثر الدم في ثوبها قال قل لها تصبغه بمشق حتى يختلط وعن أبي بصير قال سألته امرأة ان بثوبي دم الحيض وغسلته ولم يذهب اثره قال اصبغيه بمشق ولو كان زوال اللون شرط في زوال النجاسة لم يكن للامر بالصبغ فائدة إذ الظاهر أن فائدته اخفاء لون النجاسة عن الحس وعدم صحة الروايات واختصاصها ببعض المواد غير قادح لانجبار ضعفها بالشهرة وعمل الأصحاب والاجماع المنقول وعدم القائل بالفصل ويدل عليه أيضا اطلاق الامر بالغسل الحاصل مع بقاء اللون والرائحة ويؤيده ضعف الاستناد إلى استصحاب النجاسة في محل البحث الا في بول الرضيع فإنه يكفي فيه الصب ولا يحتاج إلى العصر على المشهور بين الأصحاب بحيث لا نعلم فيه مخالفا وظاهر كلام الفاضلين حيث ذكرا هذا الحكم ونسبا المخالفة فيه إلى العامة كونه اتفاقيا بين الأصحاب ونقل اتفاقهم عليه الشيخ في الخلاف وربما يتوهم من كلام المصنف في التذكرة ان للأصحاب في هذه المسألة قولين أحدهما الاكتفاء بالصب وثانيهما الاكتفاء بالرش وانهما متغايران ومن تأمل في كلامه يجد ان هذا التوهم خطأ وان ما زعم قولا مغايرا إعادة للقول المذكور أولا وان المراد بالصب والرش في هذا الموضع ايراد الماء مع الغلبة بدون التقاطر والسيلان ومن جملة ما ينبه على ذلك أنه قد يورد هذا الحكم بلفظ الصب وقد يورد بلفظ الرش وقد ذكره في النهاية بلفظ الرش ويشترط ان يصيب الماء جميع موضع البول وذكر ان مراتب ايراد الماء ثلثة النضح المجرد ومع غلبة الماء ومع الجريان ولا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة قطعا وهل يحتاج إلى الثانية الأقرب ذلك ويفترق الرش والغسل بالسيلان والتقاطر ومستند هذا الحكم ما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الحسن قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي قال يصب عليه الماء فإن كان قد اكل فاغسله غسلا والغلام والجارية شرع سواء وتؤيده رواية السكوني عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام قال لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين المنكبين والخبر الأول يكفي مستندا لهذا الحكم وان لم يكن صحيحا بعد اعتضاده بعمل الطائفة وتأيده بالرواية الثانية مضافا إلى حسنه برواية إبراهيم بن هاشم وهو ممن يرى بعض الأصحاب الاعتماد على روايته بشهادة القرائن على حسن حاله والاعتماد على نقله فان قلت قد روى الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصبي يبول على الثوب قال يصب عليه الماء قليلا ثم يعصره وعن سماعة قال سألته عن بول الصبي يصيب الثوب فقال اغسله قلت فإن لم أجد مكانه قال اغسل الثوب كله وهذان الخبران ينافيان الأول مع اعتضادهما بالاخبار الدالة على اعتبار الغسل مرتين في البول تلت عمل الأصحاب بمدلول الأول يرجح العمل به وارتكاب التأويل في الأخيرين إما الأولى منهما يحمل على الاستحباب أو على أن يكون الغرض من العصر اخراج اجزاء النجاسة كما يشعر به قوله يبول على الثوب واما الثانية فقد حملها الشيخ على إرادة الصب من الامر بالغسل أو على أن المراد بالصبي من اكل الطعام والثاني أقرب من الأول والحمل على الاستحباب أقرب منهما واما الأخبار الدالة على اعتبار الغسل مرتين في البول لمخصص جمعا بين الأدلة وقد نوقش في عمومها بناء على أن العموم فيها مستند إلى القرائن لا إلى عموم اللفظ وفي شهادة القرائن على دخول بول الرضيع نظر وكان الظاهر العموم لولا المعارض ويعتبر في الصب الاستيعاب لإصابة البول لا الانفصال الا ان يتوقف عليه زوال عين النجاسة مع احتمال الاكتفاء به مطلقا لاطلاق النص والحكم معلق في الرواية على صبي لم يأكل وكذا في كلام الشيخ وغيره ويحكى عن ابن إدريس تعليق الحكم بالحولين وذكر جماعة من المتأخرين منهم الفاضل الشارح ان المراد بالرضيع من لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه ولم يتجاوز الحولين وقال المحقق في المعتبر المعتبر ان يطعم ما يكون غذاء له ولا عبرة بما يلعق دواء أو من الغذاء في الندرة
(١٦٤)