النجاسة لنجاسة أخرى على وجه مؤثر يوجب لها قوة واعتبار زائدا على حقيقتها والدليل الدال على نزح مقدار مخصوص لها غير متناول لما سواها فكيف يكون كافيا عن الجميع بتقدير الاجتماع وفيه نظر لما هناك عليه في مسألة وقوع الميت من بطلان حديث الحيثية التي ذكرها وأي دليل عليها مع أن عدم التداخل محل كلام كما سيجيئ وفى وقوع نجاسة لم يرد فيها نص وقيل الجميع عرف الشهيد رحمه الله في الشرح النص بأنه القول أو الفعل الصادر عن المعصوم الراجح المانع من النقيض وغير المنصوص ما لم يرد فيه ذلك فاخرج عن النص ما دل على الشئ بظاهره وغير مطابق لما ذكره الأصحاب في بعض الموارد مما لا يدل عليه الدليل الا بعمومه كادخال الكافر في الانسان واخراجه عما لا نص فيه بل على هذا لم يبق نص أصلا فان جميع الافراد ليس منصوصا لاحتمال التخصيص ولا معينا لاحتمال خروجه عن المقصود فالصواب ان يجعل المنصوص ما ثبت بدليل نقلي أعم من أن يكون نصا بالمعنى المذكور أو ظاهرا إذا عرفت هذا فاعلم أن هذه المسألة لا يجزى على القول بعدم انفعال البئر بالملاقاة لان استحباب النزح أو وجوبه تعبدا موقوف على ورود الامر به والمفروض عدمه واما القائلون بالتنجيس فاختلفوا على أقوال الأول ما اختاره المصنف وهو وجوب نزح الأربعين ونقله عن ابن حمزة والشيخ في المبسوط الثاني ما ذهب إليه المحقق وابن زهرة وابن إدريس وهو منسوب إلى أكثر المتأخرين من القائلين بالتنجيس وهو وجوب نزح الجميع الثالث وجوب نزح الثلثين ونقله الشهيد في الشرح عن السيد جمال الدين طاوس ونفى عن الباس حجة الأول قولهم عليهم السلام ينزح منها أربعون دلوا وان صارت منجرة على ما نقله الشيخ في المبسوط وهذه الرواية موجودة في شئ من كتب الأصول وصدرها المتضمن لمورد للحكم غير معلوم وظاهرها متروك فالتعويل عليه مشكل وقد يقال الشيخ ثقة ثبت فلا يضر ارساله لأنه لا يرسل الا عن الثقات وان الظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف على محل النزاع وفيه تأمل لأنه لو جاز العمل بالمرسلة المذكورة لشرف المرسل لجاز العمل بجميع المرسلات المذكورة في كتب الشيخ مع أن الأصحاب غير عاملين بها على الاطلاق واما قوله الظاهر دلالة صدره على محل النزاع فمحل تأمل لان الاحتجاج انما يدل على ظنه بها وذلك غير كاف في الاستدلال لاحتمال الخطأ في الظنون واحتج عليه المصنف في النهاية برواية كردويه الآتية وهو وهم وفى المنتهى بسبب الاحتجاج بها عليه إلى البعض ثم قال وهي انما نزح ثلثين ومع ذلك فالاستدلال بها لا يخلو عن تعسف وهو حسن حجة القول الثاني انه ماء محكوم بنجاسته فيتوقف الحكم بالطهارة على الدليل وليس على ما دون الجميع دليل واضح فلا سبيل إلى العلم بالطهارة بدون ذلك ويرد عليه ان يرجع هذا الاستدلال موقوف على حجية الاستصحاب وهي ممنوعة الا فيما دل الدليل على دوام الحكم وهو هنا ممنوع وأيضا صحيحة محمد بن إسماعيل بزيع تدل على طهر البئر مع التغير بالنزح حتى يزول التغيير كما مر من غير فرق بين النجاسات فإذا لم يجب مع التغيير نزح الجميع مطلقا فمع عدمه أولي وقد يرجح بهذا الاعتبار القول بالأربعين بناء على أن الأقوال منحصرة في الثلاثة وإذا انتفى القول بنزح الجميع يبقى القولان الآخران ولا دليل على الاجتزاء بالثلثين فيبقى القول بالأربعين وفيه تأمل لأنها على تقدير ثبوت انحصار الأقوال في الثلاثة و عدم قائل اخر لا يلزم من عدم الدليل بالاجتزاء بالثلثين وجوب الأربعين الا بناء على الاستصحاب وقد عرفت ما فيه حجة القول الثالث رواية كردويه عن أبي الحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وخرء الكلاب قال ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت منجبرة ومعناها المنتنة وروى بفتح الميم والخاء ومعناها موضع النتن والاستدلال بهذه الرواية عجيب لان نزح الثلثين فيها معلق على أشياء مخصوصة فصارت تلك الأشياء من قبيل المنصوص عليه ولكن لم يكن النزاع في شئ فمن العلم منه ان ما لا يرد عليه نص يكون حكمه من هذا القبيل مع ضعف سندها الجهالة كردويه واما المناقشة بان الخبر لو دل على المتنازع كان ما لا فيه منصوصا فضعيفة جدا ومما ذكرنا يعلم أن البئر إذا تغيرت بالنجاسة وجب نزح ما يزيل التغير على القول بالتنجيس لرواية ابن بزيع والا لم يكن القول بالاكتفاء بالثلثين بعيدا إذ لا دليل على بقاء النجاسة بعد نزح الثلثين لضعف الاستصحاب فتبقى العمومات الدالة على الطهارة سالمة عن المعارض واما ايجاب الثلثين على القول بالتنجيس فمتجه ان ثبت الانحصار الأقوال في الثلاثة وعدم قائل اخر وقال المحقق في المعتبر يمكن ان يقال إن كل ما لم يقدر له منزوح لا يجب فيه نزح عملا برواية معوية المتضمنة قول أبي عبد الله عليه السلام لا يغسل الثوب ولا يعاد الصلاة عما يقع في البئر الا ان تنتن ورواية ابن بزيع ان ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير وهذا يدل بالعموم فيخرج منه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو نحويها ويبقى الباقي داخلا تحت هذا العموم وهذا يتم لو قلنا إن النزح للتعبد لا للتطهير وكلامه حسن وفى المسألة قول اخر أحدثه بعض المتأخرين وهو الاكتفاء ينزح ما يزيل لو كان ان وجد إلى العلم به سبيل والا فالجميع وليس ذلك بطريق التعيين على التقديرين لان المقدار المطهر غير معلوم ومع بلوغ أحدهما يعلم حصوله واثبات عدم الطهارة لغيره وبدون ذلك بدون التمسك بالاستصحاب مشكل وثلثين في وقوع ماء المطر مخالطا للبول والعذرة وخرء الكلاب قاله كثير من الأصحاب تمسكا برواية كردويه المذكورة في المسألة السابقة وفى طريق الرواية ضعف فالتمسك به في اثبات الحكم المذكور مشكل وأورد بعض الأصحاب على هذا الحكم اشكالا حاصله ان ترك الاستفصال في النجاسات المذكورة يقتضى التسوية بين افراده المحتملة فيستوى حال العذرة رطبة كانت أم لا والبول إذا كان بول رجل أم لا وقد حكموا بنزح خمسين للعذرة الرطبة وأربعين لبول الرجل مع افراد كل منهما فكيف يجتزى بالثلثين مع اجتماعهما وانضمامهما بغيرهما من النجاسات وأجيب عنه بوجهين الأول بالحمل على استهلاك ماء المطر لأعيان النجاسات ورد بأنه على تقدير الاستهلاك لا فرق بين ماء المطر وغيره وقد فرقوا مع أن هذا الحمل خلاف ظاهر الرواية الثاني جواز استناد التخصيص إلى مصاحبة ماء المطر ومن نظر إلى ما ينفعل عنه البئر وما يطهر به واشتمالها على الجميع بين المتباينات كالهر والخنزير وتفريق المتماثلات كالكلب والكافر يزول عنه الاستبعاد وهذا الجواب حسن لولا ضعف الرواية والمذكور في الفقيه ماء المطر المخالط بالأشياء المذكورة فالأجود على القول بالتنجيس العدول عن هذه الرواية الأخبار الصحيحة الواردة بنزح المقادير المعينة لتلك النجاسات واما على القول باستحباب النزح فالامر أسهل وعشر في العذرة اليابسة غير المنقطعة على المشهور بين الأصحاب من غير خلاف معلوم ونقل ابن زهرة اجماع الفرقة عليه والمستند رواية أبي بصير وقد مرت في حكم العذرة الرطبة وطريقها ضعيف لان فيه عبد الله بن بحر وهو من الضعف للمذمومين الا ان عمل الأصحاب يكفي جابرا لها خصوصا على ما اخترنا من استحباب النزح والدم القليل غير الثلاثة كذبح الطير والرعاف اليسير هذا مذهب الشيخ وتبعه عليه جماعة منهم المصنف وهو اختيار الصدوق في المقنع على ما نقل عنه وقال في الفقيه وان قطر فيهما قطرات من دم استقى منها دلاء وقال المفيد في المقنعة وإن كان الدم قليلا نزح منها خمس دلاء ولعل مستند الشيخ صحيحة محمد بن إسماعيل السابقة في حكم الدم الكثير فإنه وان احتج به في التهذيب للدم الكثير لكنه ذكر في الاستبصار انها ظاهره في الدم القليل ولابد من ضميمة المقدمات المذكورة هناك لاتمام التقريب وأنت خبير بما يرد عليه وفى معنى الخبر المذكور موثقة عمار الساباطي المشتملة على حكم الانسان الميت والحق ما ذكره ق؟؟؟ عملا بمدلول الرواية المذكورة قبل؟؟؟؟ يرجع إلى الاكتفاء بأقل ما يصدق معه مفهوم الجمع وهو الثلاثة وإن كان لفظ الدلاء على وزان جموع الكثرة فان التفرقة بين الامرين غير معتبرة في العرف المستمر لو ثبت كون الصيغ حقائق فيها لغة ويؤيد ذلك صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبى الحسن عليه السلام قال سألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر هل يصلح ان يتوضأ عنها قال ينزح منها دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها وسألته عن رجل يستقى من بئر فرعف فيها هل يتوضأ منها قال ينزح منها دلاء يسيرة واختار المحقق في المعتبر والمصنف في المنتهى المصير إلى نزح دلاء يسيرة بعد نقل ذلك عن ابن بابويه وحجة المفيد غير معلومة وسبع في موت الطير كالحمامة والنعامة وما بينهما كذا ذكره الأصحاب واختلف الروايات ففي رواية أبى أسامة وأبى يوسف يعقوب بن عثيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء وروى القسم عن علي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في البئر قال سبع دلاء قال وسألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر قال سبع دلاء وروى سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في البئر أو الطير قال إن أدركته قبل ان ينتن نزحت منها سبع دلاء وبعض الروايات تدل على خلاف ما ذكر كرواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها
(١٣٤)