الصحيح على القول بنجاسة البئر بالملاقاة وجوب نزح السبعين في موت الكافر اعلم أن كلام ابن إدريس والمحقق صريح في أن مورد النزاع وقوعه حيا وموته في البئر ومن الأصحاب من يحكى عنه انه يحصل مورد النزاع وقوعه هنا فرجح فيه التسوية ثم ذكر وقوعه حيا وموته وحكم فيه بالفرق واستند في الأول إلى العموم وفى الثاني إلى أن مباشرة الكافر حيا سبب في نجاسة الماء وملاقاته ميتا سبب اخر فيثبت لكل حكمه وأنت خبير بما فيه لان مورد النزاع ليس ما ذكر والرواية غير شاملة له بل مختصة بالثاني فلا يصح الاستدلال بالعموم واحتجاجهم الثاني استدلال في مقابلة النص ومنهم من حكى انه حرف استدلال ابن إدريس فتوهم انه يرجع إلى وجوب الجميع لوقوعه حيا بالاعتبار عدم النص يقتضى وجوبه مع الوقوع ميتا بطريق أولي لزيادة نجاسة بالموت فأجاب عنه بمنع بقاء النجاسة بعد الموت ومن ثم لا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين وجعل التحقيق في الجواب انه استدلال في مقابلة النص وفيه ما فيه والمصنف في المختصر منع بقاء نجاسة الكفر بعد الموت وحكم بوجوب نزح السبعين بناء على القول بالتنجيس لوقوعه ميتا نظرا إلى العموم ثم قال وان وقع حيا ثم مات فكذلك لأنه لو باشرها حيا نزح له ثلاثون وأنت خبير بان العموم الذي ادعى محل تأمل واستقرب كلامه بعض المتأخرين وحكم بفساد التسوية التي ذكرها بعد منعه لبقاء نجاسة الكفر بعد الموت وجعل مورد الحديث الوقوع ميتا كما أفصح به تمسكه في حكم الوقوع ميتا بالعموم فان اللازم من ذلك كون نزح السبعين واجبا لنجاسة الموت فقط إذ ليس هناك غيرها بزعمه وحينئذ فإذا وقع حيا ومات اقترن بها أمر اخر غير منصوص عنده وهو المباشرة حيا فيجب لها ما يجب لغير المنصوص فكيف يقول بعد هذا انه ان وقع حيا ومات فكذلك ولا يذهب عليك ان كلام المصنف مبنى على وجوب نزح الثلثين لوقوع الكافر كما صرح به ههنا أو وجوب الأربعين بناء على وجوب ذلك فيما لا نص فيه عنده مع أن مذهبه تداخل النزح وحينئذ يندفع عنه هذا الاستغراب وخمسين في العذرة الذائبة العذرة فضلة الانسان قيل سميت بذلك لانهم كانوا يلقونها في العذرات أي الأفنية والموجود في الصحاح ضد ذلك قال العذرة فناء الدار سميت بذلك لان العذرة كانت تلقى إليه والمراد بالذوبان تفرق اجزائها في الماء وشيوعها فيه واحتمل بعض الأصحاب الاكتفاء بذوبان بعض الأجزاء نظر إلى أن القلة أو الكثرة غير معتبرة فلو سقط مقدار البعض الذائب منفرد أو ذاب لاثر فانضمام الغير إليه لا يمنع التأثير وللتأمل فيه مجال والحكم المذكور مسند إلى الثلاثة واتباعهم والشيخ ذكر ذلك في العذرة الرطبة وقال المفيد إن كانت العذرة رطبة وذابة وتقطع فيها نزح منها خمسون دلوا وعن المرتضى فان ذابت وتقطعت فخمسون دلوا واستدل عليه ابن زهرة باجماع الفرقة وذهب الصدوق في الفقيه والمقنع إلى أنه يستقى أربعون إلى خمسين ان ذابت فيها وهو منقول عن أبيه واختاره المحقق في المعتبر بعد ما نقل مذهب الثلاثة وانه لم يقف به على شاهد والأصل في هذا الباب رواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن العذرة تقع في البئر قال نزح منها عشر دلاء فان ذابت فأربعون أو خمسون دلوا قال المصنف في المختلف ويمكن ان يقال ايجاب أحدهما يستلزم ايجاب الأكثر لأنه مع الأقل غير متيقن للبرائة وانما يعلم خروجه عن العهدة بفعل الأكثر وفيه نظر لان التخيير بين الامرين لا يقتضى وجوب الأكثر عينا فتحصل البراءة بالأقل فدلالتها على مذهب الصدوق أقوى لكن الرواية ضعيفة السند ومع ذلك تعارضه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام انه سئل عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أيصلح الوضوء منها قال لا باس وصحيحة محمد بن إسماعيل الدالة على جواز الاكتفاء في وقوع العذرة في البئر بنزح دلاء ويمكن ان يقال هذه الرواية مخصصة للروايتين وضعفها منجبر بعمل الأصحاب والتحقيق ان الحمل على الاستحباب أولي وهذه الاختلافات انما نشأت منه بناء على الاختلاف في مراتب الاستحباب باعتبار شدة التأكيد وعدمهما واختلاف الأبار بحسب الغزارة والنزارة وضيق المجاري وسعتها وكثرة الاخذ منها وعدمه قال المصنف في المنتهى بعد نقله لهذه الرواية وانها تتضمن مذهب الصدوق ويمكن التعدية إلى الرطبة للاشتراك في شياع الأجزاء ولأنها تصير حينئذ رطبة وفيه نظر لأنا لا نسلم ان الرطوبة يقتضى الذوبان مطلقا ولو سلم لم يكن من باب تعدية الحكم واما قولها ولأنها تصير حينئذ رطبة فلا وجه له والدم الكثير غير الثلاثة كذبح الشاة وهو مذهب الشيخ وابن البراج وسلار وابن إدريس وقال المفيد ينزح الكثير عشر دلاء والمنقول عن المرتضى انه ينزح للدم ما بين دلو واحد إلى العشرين وعن ابني بابويه إذ وقع فيها قطرات من دم ينزح منها دلاء ولم يعينا العدد ولم يذكرا حديث القليل والكثير والصدوق روى في ذبح الشاة من ثلثين إلى أربعين وفى دم الدجاجة والحمامة دلاء ولم نقف على حجة لقول الشيخ والمرتضى واما ما ذهب إليه المفيد فاحتج عليه الشيخ بصحيحة محمد بن إسماعيل قال كتبت إلى رجل أسأله ان يسال أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم ويسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة أو نحوها ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة فوقع عليه السلام في كتابي بخطه ينزح منها دلاء قال وجه الاستدلال من هذا الخبر أنه قال ينزح منها دلاء وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة فيجب ان يؤخذ به إذ لا دليل على ما دونه واعترض عليه بأنه لاشعار في الخبر على الكثرة التي هي مورد البحث بل ظاهر في إرادة القلة كما اعترف به في الاستبصار وبان كلامه مبنى على كون الدلاء جمع قلة وليس كذلك لانحصار جموع القلة في اوزان أربعة مشهورة أو خمسة عند بعضهم وليس هو منها فيكون جمع كثرة كما ذكر في الاستبصار في البحث عما يجب لموت الكلب وبان حمل الدلاء على جمع القلة يقتضى الأجزاء بأقل مدلولاته وهو الثلاثة لأن اطلاق اللفظ يدل على أن المطلوب المهيته بأي فرد اتفقت والمحقق اعترض على الشيخ بانا نسلم ان أكثر عدد يضاف إلى الجمع عشر لكن لا نسلم ذلك إذا جرد عن الإضافة فإنه لا يعلم من قوله عندي دراهم انه لم يجز عن زيادة من عشرة ورده المصنف في المنتهى بان الإضافة ههنا وان جردت لفظا لكنها مقدرة والا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وحينئذ فلابد من اضمار عدد يضاف إليه يحمل على العشرة التي هي أقل ما يصلح إضافة إلى هذا الجمع اخذا بالمتقن وحوالة على الأصل من براءة الذمة واعترض عليه بأنه لا يلزم من عدم التقدير تأخير البيان انما يلزم لو لم يفهم بدون التقدير معنى وههنا ليس كذلك فان لصيغ الجموع الواقعة في أمثال هذه المقامات معنى يتبادر منها وهي أي مقدار كان مما يصدق عليه ولو أقلها وعلى تقدير وجوب التقدير ليس على تقدير العشرة دليل وتوجيهه فاسد إذ هي الأكثر على ما ذكره الشيخ وهو بصدر انتصاره لا الأقل فكيف يوجهه بما لا يلايمه واحتج في المختلف بان هذا جمع كثرة وأقله ما زاد على العشر بواحد فيحمل عليه ولا يخفى ان مقتضى هذا الاحتجاج كون الواجب إحدى عشرة وأين المدعى منه وأقوى ما ورد في هذه المسألة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشنجت دما هل يتوضأ من تلك البئر قال ينزح منها ما بين الثلثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ ولا باس به ونقلها الصدوق في الفقيه فالظاهر أنه عامل بها قيل وعمل بهذه الرواية جماعة من الأصحاب وهو جيد غير أن ظاهر البعض العمل بمضمونها في مطلق الدم الكثير وعندي فيه نظر إذ ليس فيها ما يقتضى العموم فينبغي ان يكون العمل بها في موردها ويلحق ما عداه بغير المنصوص انتهى وهل يستوى في الحكم المذكور دم نجس العين وغيره فتوى الأصحاب ذلك وقد يرجح لغلظ نجاسته واختصاص مورد الخبر بدم ذبح الشاة وعلى المشهور فالمعتبر من القلة والكثرة ما كانت في نفسها وقال القطب الراوندي ان المعتبر ما كان بالنسبة إلى ماء البئر في الغزارة والنزارة ونقله المحقق قطب الدين الرازي عن المصنف وهو اعتبار حسن لكن لا يساعده النص فلا عبره به وأربعين في موت السنور والكلب واليه ذهب الشيخان وجماعة ممن ببعضها وتمسك فيه ابن زهرة باجماع الفرقة وقال الصدوق في الفقيه وان وقع فيها كلب نزح منها ثلاثون دلوا إلى أربعين دلوا وان وقع فيها سنور نزح منها سبع دلاء وقال في المقنع على ما نقل عنه وان وقع فيها كلب أو سنور فانزح منها ثلثين دلوا إلى أربعين دلوا قد روى سبع دلاء احتج الشيخ بما رواه الحسين بن سعيد عن القاسم عن علي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في البئر إلى أن قال والسنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا والكلب وشبهه وبما رواه سماعة وقال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفارة تقع في البئر إلى أن قال وإن كانت سنورا أو أكبر منه نزحت منها ثلثين
(١٣٢)