وإذا جاز أن يكون في المعارف ما لا يستحق عليه الثواب، أجزنا أن يجامع الكفر.
فأما ما مضى في السؤال من أنهم إذا كانوا غير عارفين بالله تعالى، فالواجب أن يتقدم دعاؤهم إلى المعرفة بالله تعالى على الدعاء إلى الشرائع، فعلى هذا جرى الأمر، وأن النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر الدعاة الذين ينفذون منه إلى أطراف البلاد، بأن يدعوا الناس إلى معرفة الله تعالى ووحدانيته، ثم إلى نبوته وشريعته.
والأخبار في السيرة مملؤة من هذه الألفاظ، ولو لم يرد في ذلك خبر لكنا نعلم أن الأمر جرى عليه لقيام الأدلة على صحته.
وإنما ظهور الدعاء إلى النبوة والشريعة أكثر من ظهور الدعاء إلى التوحيد والعدل، لأن المعرفة بالتوحيد والعدل إليه 1 دعاة، وعليها 2 حداة من الناس والخواطر، ومشاهدة آثار الصنعة في العالم، فلو لم يدع إليها 3 داع بعينه لكان في تلك الدواعي التي أشرنا إليه كفاية 4.
وليس كذلك النبوة والشريعة، لأنه لا طريق إلى الدعاء إليهما إلا قول النبي صلى الله عليه وآله وتنبيهه، أو قول من يكون رسوله ومؤديا عنه، ولا أحد من المكلفين إلا وهو مدعو بعقله، ربما 5 يسمعه أيضا من غيره، إلى النظر في معرفة الله تعالى، ولا داعي له إلى معرفة نبوته وشريعته إلا قول ذلك النبي وتنبيهه، أو قول من يؤدي عنه، وهذا واضح.
.