والجسم لو كان قديما لوجب إدراكه على هذه الصفة، لأنها من أخص أوصافه، فإذا علم ضرورة أنه لا يدرك قديما، فلا بد من العلم بحدوثه.
وهذه الطريقة مبنية على مقدمات:
منها: أن الجسم مدرك.
ومنها: أن من شأن الادراك أن يتعلق بأخص أوصاف الذات المدركة.
ومنها: أن الجسم لو كان قديما لكان كونه بهذه الصفة من أخص أوصافه.
ومنها: أن 1 لا يدرك قديما.
فمتى علم بالتأمل صحة هذه المقدمات، فلا بد أن يفعل لنفسه اعتقادا، لأن الجسم ليس بقديم، وإذا لم يكن قديما وهو موجود، فلا بد من كونه محدثا.
وإنما قلنا إنه مع صحة تلك المقدمات وعلمه بها لا بد أن يفعل اعتقادا لأنه ليس بقديم. أن مجموع ما ذكرناه ملجئ له إلى فعل هذا الاعتقاد، كما أن من علم في ذات أنها لم يسبق ذواتا محدثة ملجأ إلى اعتقاد كونها [كذلك] ومن علم في فعل له صفة الظلم ملجأ بما استقر في عقله من قبح ما له هذه الصفة إلى فعل اعتقاد لقبحه، ويكون ذلك الاعتقاد علما، لوقوعه على الوجه الذي ذكرناه.
فإن قيل: كيف ينظر في حدوث الجسم بالدليل الثاني وهو عالم بحدوثه بالدليل الأول، والعلم بالشئ يمنع من النظر فيه، ولو جاز أن ينظر فيما علمه، لجاز أن ينظر في المشاهدات.
قلنا: ليس نظره في الدليل الثاني على الحقيقة نظرا في صدور 2 الجسم، فيلزم أن يكون شاكا في حدوثه، وإنما ينظر في مقدمات الدليل الثاني التي منها