وقوله تعالى: (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) 1 وقوله تعالى:
(وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون) 2، وذلك إنا لم نقل أن هذه اللفظة في كل موضع تستعمل بمعنى واحد، بل الوجه في استعمالها يختلف، وربما أريد بها التخصيص وربما أريد ما ذكرناه مما تقدم، وإنما يرجع في ذلك إما إلى الوضع أو إلى الدلالة تدل على المعنى المقصود، وإنما أردنا الرد على من ادعى أنها تقتضي التخصيص لا محالة، فدفعناه عن ذلك بما أوردناه.
وليس لأحد أن يدعي أن الظاهر من هذه اللفظة يقتضي التخصيص وأنها إذا وردت لا تقتضيه كانت مجازا وعمل عليه بدلالة. لأن ذلك تحكم من قائله.
وإذا عكس عليه وقيل له: بل التخصيص هو المجاز وورودها مورد النعت والوصف هو الحقيقة، لم يجد فصلا.
ووجه آخر:
وهو أن الجنس إنما يكون مفضلا على الجنس على أحد وجهين: إما بأن يكون كل عين من أعيانه أفضل من أعيان الجنس الآخر، أو بأن يكون الفضل في أعيانه أكثر، وليس يجوز أن يفضل الجنس على غيره بأن يكون فيه عين واحدة أفضل من كل عين في الجنس الآخر وباقيه خال من فضل، ويكون الجنس الآخر لكل عين منه فضلا وإن لم يبلغ إلى فضل تلك العين التي ذكرناها، ولهذا لا يجوز أن يفضل أهل بغداد على أهل الكوفة إن كان في بغداد فاضل واحد أفضل من كل واحد من أهل الكوفة وباقي أهل بغداد لا فضل لهم، حتى كان كثير من أهل الكوفة ذوي فضل وإن لم يبلغوا إلى منزلة الفاضل الذي ذكرناه.