على أن لفظة (من) لا تتوجه إلى البهائم والجمادات، وإنما تختص بمن يعقل، فليس يدخل تحتها ممن يجوز أن يفضل الآدميون عليه إلا الملائكة والجن وإذا علمنا أنهم أفضل من الجن بقي الملائكة خارجين من الكلام، وفي خروجهم دلالة على أنهم أفضل.
الجواب:
يقال له: لم زعمت أولا أن ظاهر الكلام يقتضي أن في المخلوقات من لم يفضل بني آدم عليه، فعلى ذلك بنيت 1 الكلام كله، فإنه غير صحيح ولا يسلم.
فإن قال: إن لفظة (كثير) تقتضي ذلك.
قيل له: من أين قلت إنها تقتضي ما ادعيته، ويطالب بالدلالة، فإنا لا نجدها.
ثم يقال له: قد جرت عادة الفصحاء من العرب بأن يستعملوا مثل هذه اللفظة من غير إرادة للتخصيص بل مع قصد الشمول والعموم، فيقولون:
(أعطيته الكثير من مالي، وأبحته المنيع من حريمي، وبذلت له العريض من جاهي)، وليس يريدون أنني أعطيته شيئا من مالي وادخرت عنه شيئا آخر منه، ولا أبحته منيع حريمي ولم أبح 2 ما ليس يمنعها، ولا بذلت له عريض جاهي ومنعت ما ليس بعريض، وإنما المعزي بذلك والقصد: إنني أعطيته مالي ومن صفته أنه كثير، [وبذلت له جاهي ومن صفته أنه عريض] 3.
وله نظائر في القرآن كثيرة، وفي أشعار العرب ومحاوراتها، وهو باب معروف لا يذهب على من أنس بمعرفة لحن كلامهم، ونحن نذكر منه طرفا لأن