وانظر إلى خطب الرسول، وخطب أمير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما، وكلماتهما القصار، تراها قليلة اللفظ كثيرة المعنى، هذا كله في خطبهم.
وأما كتبهم فإنها كانت على هذا النمط أيضا، وكان همهم في كتبهم، إفهام المقابل ما يبغون من دون أي تكلف، أو تسجيع، أو تطويل، وأضف إلى ذلك السذاجة العربية وقتئذ، التي لم تكن تر للبدء والختم في الكتاب شأنا خاصا.
ونحن نورد كتاب أكثم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو من الفصحاء المعروفين في الجاهلية، كي تقيس به ما عداه، وتعرف به صحة ما قلناه: باسمك اللهم، من العبد إلى العبد، فأبلغنا ما بلغك، فقد أتانا عنك خبر، لا ندري ما أصله، فإن كنت أريت فأرنا، وإن كنت علمت فعلمنا، وأشركنا في كنزك، والسلام (1).
ألا تراه كيف أتى على ما رامه، من دون أي تكلف، أو إسهاب، وفي أي مرتبة من السذاجة والبساطة.
إذا عرفت ذلك، فارجع إلى كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقسها، وتدبرها تدبر رعاية ودراية، تجد فيها البلاغة من وجوه كثيرة:
1 - الاقتصار على القدر الضروري من أصول المطالب، من دون نظر إلى فروعها، وتجزئة الأمور، والأعمال الصغار، فمثلا: بين أحكام الصدقة على حد من الايجاز بحيث لا يفهم منه إلا أصول الأحكام، لعدم الحاجة إلى التفصيل والإطناب.
2 - الاقتصار في ألفاظها على تقريب المعاني إلى المخاطبين بلا تكلف، ولا ارتكاب تسجيع وتطويل.