أو ثلاثة -: لما حل لها إلا مع ذي محرم، فلو كان مقدار قوتها أن تمشى خمسين ميلا كل يوم لكان لها أن تسافر مسافة مائة ميل مع ذي محرم (1) لكن وحدها، والذي حده عليه السلام في هذه الأخبار معقول مفهوم مضبوط غير مقدر بمساحة من الأرض لا تتعدى، بل بما يستحق به اسم سفر ثلاث أو سفر يوم ولا مزيد، والذي حدد تموه أنتم غير معقول ولا مفهوم ولا مضبوط أصلا بوجه من الوجوه، فظهر فرق ما بين قولكم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبين فساد هذه الأقوال كلها بيقين لا إشكال فيه، وأنها لا متعلق لها ولا لشئ (2) منها لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة، ولا باجماع ولا بقياس ولا بمعقول، ولا بقول صاحب لم يختلف عليه نفسه فكيف أن لا يخالفه غيره منهم، وما كان هكذا فهو باطل بيقين.
فان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاخبار المأثورة عنه حق، كلها على ظاهرها ومقتضاها، من خالف شيئا منها خالف الحق، لا سيما تفريق مالك بين خروج المكي إلى منى والى عرفة في الحج فيقصر -: وبين سائر جميع بلاد الأرض يخرجون هذا المقدار فلا يقصرون ولا يعرف هذا التفريق عن صاحب ولا تابع قبله.
واحتج له بعض مقلديه بأن قال: إنما ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أهل مكة أتموا فانا قوم سفر) ولم يقل ذلك: بمنى.
قال على: وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، وإنما هو محفوظ عن عمر رضي الله عنه.
ثم لو صح لما كانت فيه حجة لهم، لأنه كان يلزمهم إذ أخرجوا حكم أهل مكة بمنى عن حكم سائر الاسفار من أجل ما ذكروا -: أن يقصر أهل منى بمنى وبمكة لأنه عليه السلام لم يقل لأهل منى: أتموا.
فان قالوا: قد عرف أن الحاضر لا يقصر. قيل لهم: صدقتم، وقد عرف أن ما كان من الاسفار له حكم الإقامة فإنهم لا يقصرون فيها، فإن كان ما بين مكة ومنى من أحد السفرين المذكورين فتلك المسافة في جميع بلاد الله تعالى كذلك ولا فرق، إذ ليس