ويقال لهم: لو كان قولكم حقا وصوابا لجاء به النقل المتواتر، ولما جاز أن يجعله ابن عمر، وقبله أبوه عمر، والزهري وغيره، ولا حجة في قول قائل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قولنا: إن الجمعة جائزة في مسجدين فصاعدا في القرية -: فان أصحاب أبي حنيفة حكوا عن أبي يوسف: أنها لا تجزئ الجمعة إلا في موضع واحد من المصر، إلا أن يكون جانبان بينهما نهر، فيجزئ أن يجمع في كل جانب منهما.
ورووا عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبى يوسف أيضا: أن الجمعة تجزئ في موضعين في المصر، ولا تجزئ في ثلاثة مواضع.
وكلا هذين المذهبين من السخف بحيث لا نهاية له لأنه لا يعضدهما قرآن، ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا إجماع، ولا قياس.
وقد رووا عن محمد بن الحسن: أنها تجزئ في ثلاثة مواضع من المصر.
فان قالوا: صلى على العيد في المصلى واستخلف من صلى بالضعفاء في المسجد، فهما موضعان وهذا لا يقال: رأيا.
قلنا لهم: فقولوا: انه لا تجزئ الجمعة الا في المصلى، وفى الجامع فقط، والا فقد خالفتموه، كما خالفتموه في هذا الخبر نفسه، إذ أمر رضي الله عنه الذي استخلف أن يصلى بهم العيد أربعا.
فقلتم: هذا شاذ فيقال لكم: بل الشاذ هو الذي أجزتم، والمعروف هو الذي أنكرتم وما جعل الله تعالى آراء كم قياسا على الأمة، ولا عيارا في دينه! وهلا قلتم: في هذا الخبر كما تقولون في خبر المصراة وغيره: هذا اعتراض على الآية لان الله تعالى عم الذين آمنوا بافتراض السعي إلى الجمعة، فصار تخصيصه اعتراضا على القرآن بخبر شاذ غير قوى النقل في أن ذلك لا يجب الا في مصر جامع؟!.
ومنع مالك والشافعي من التجميع في موضعين في المصر.
ورأينا المنتسبين إلى مالك يحدون في أن لا بكون بين الجامعين أقل من ثلاثة أميال!
وهذا عجب عجيب! ولا ندري من أين جاء هذا التحديد؟ ولا كيف دخل في عقل ذي عقل حتى يجعله دينا؟ نعوذ بالله من الخذلان. قال الله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم) فلم يقل عز وجل: في موضع ولا موضعين ولا أقل، ولا أكثر (وما كان ربك نسيا) * (*)