فإذ ذلك كذلك فالمقيم في مكان واحد مقيم غير مسافر بلا شك، فلا يجوز أن يخرج عن حال الإقامة وحكمها في الصيام والاتمام الا بنص، وقد صح باجماع أهل النقل: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في حال سفره فأقام باقي نهاره وليلته ثم رحل في اليوم الثاني، وأنه عليه السلام قصر في باقي يومه ذلك وفى ليلته التي بين يومى نقلته، فخرجت هذه الإقامة عن حكم الإقامة في الاتمام والصيام، ولولا ذلك لكان مقيم ساعة له حكم الإقامة.
وكذلك من ورد على ضيعة له أو ماشية أو عقار فنزل هنا لك فهو مقيم، فله حكم الإقامة كما قال ابن عباس، إذ لم نجد نصا في مثل هذه الحال ينقلها عن حكم الإقامة، وهو أيضا قول الزهري، وأحمد بن حنبل.
ولم نجد عنه عليه السلام انه أقام يوما وليلة لم يرحل فيهما فقصر وأفطر الا في الحج والعمرة، والجهاد فقط، فوجب بذلك ما ذكرنا من أن من أقام في خلال سفره يوما وليلة لم يظعن في أحدهما فإنه يتم ويصوم، وكذلك من مشى ليلا وينزل نهارا فإنه يقصر باقي ليلته ويومه الذي بين ليلتي حركته، وهذا قول روي عن ربيعة.
ونسأل من أبى هذا عن ماش (1) في سفر تقصر فيه الصلاة عندهم نوى إقامة وهو سائر (2) لا ينزل ولا يثبت -: اضطر لشدة الخوف إلى أن يصلى فرضه راكبا ناهضا أو ينزل لصلاة فرضه ثم يرجع (3) إلى المشي: أيقصر أو يتم؟ فمن قولهم: يقصر، فصح أن السفر هو المشي.
ثم نسألهم عمن نوى إقامة وهو نازل غير ماش: أيتم أو يقصر؟ فمن قولهم: يتم، فقد صح أن الإقامة هي السكون لا المشي متنقلا. وهذا نفس قولنا. ولله تعالى الحمد.
وأما الجهاد والحج فان عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة).