نهض في صباح اليوم العاشر إلى منى، فكان بها، ونهض إلى مكة فطاف طواف الإفاضة إما في اليوم العاشر وإما في الليلة الحادية عشرة، بلا شك في أحد الامرين، ثم رجع إلى منى فأقام بها ثلاثة أيام، ودفع منها في آخر اليوم الرابع بعد رمى الجمار بعد زوال الشمس، وكانت اقامته عليه السلام بمنى أربعة أيام غير نصف يوم ثم اتى إلى مكة فبات الليلة الرابع عشرة بالأبطح، وطاف بها طواف الوداع، ثم نهض في آخر ليلته تلك إلى المدينة، فكمل له عليه السلام بمكة ومنى وعرفة ومزدلفة عشر ليال كملا كما قال أنس فصح قولنا، وكان معه عليه السلام متمتعون، وكان هو عليه السلام قارنا فصح ما قلناه في الحج والعمرة، ولله الحمد، فخرجت هذه الإقامة بهذا الأثر في الحج والعمرة حيث أقام عن حكم سائر الإقامات، ولله تعالى الحمد.
فان قيل: أليس قد رويتم من طريق ابن عباس وعمران بن الحصين روايات مختلفة، في بعضها: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسع عشرة) وفى بعضها: (ثمان عشرة) وفى بعضها (سبع عشرة) وفى بعضها (خمس عشرة) يقصر الصلاة؟.
قلنا: نعم، وقد بين ابن عباس ان هذا كان في عام الفتح، وكان عليه السلام في جهاد وفي دار حرب، لان جماعة من أهل مكة كصفوان وغيره لهم مدة موادعة لم تنقض بعد، ومالك بن عوف في هوازن قد جمعت له العساكر بحنين على بضعة عشر ميلا، وخالد بن سفيان الهذلي على أقل من ذلك يجمع هذيلا لحربه، والكفار محيطون به محاربون له، فالقصر واجب بعد في أكثر من هذه الإقامة، وهو عليه السلام يتردد من مكة إلى حنين. ثم إلى مكة معتمرا، ثم إلى الطائف، وهو عليه السلام يوجه السرايا إلى من حول مكة من قبائل العرب، كبني كنانة وغيرهم، فهذا قولنا، وما دخل عليه السلام مكة قط من حين خرج عنها مهاجرا إلا في عمرة القضاء، أقام بها ثلاثة أيام فقط، ثم حين فتحها كما ذكرنا محاربا، ثم في حجة الوداع أقام بها كما وصفنا ولا مزيد.
قال على: وأما قولنا: إن هذه الإقامة لا تكون إلا بعد الدخول في أول دار الحرب وبعد الاحرام -: فلان القاصد إلى الجهاد ما دام في دار الاسلام فليس في حال جهاد، ولكنه مريد للجهاد وقاصد إليه، وإنما هو مسافر كسائر المسافرين، إلا اجر نيته فقط، وهو ما لم يحرم فليس بعد في عمل حج ولا عمل عمرة، لكنه مريد لان يحج أو لان يعتمر، فهو كسائر من يسافر ولا فرق