وموهوا في هذا بطوام، منها: أن قال قائلهم: إن عمر لم يأخذ الزكاة من أرض الخراج.
قال أبو محمد: وهذا تمويه بارد! لان عمر رضي الله عنه إنما ضرب الخراج على أهل الكفر، ولا زكاة تؤخذ منهم، فان ادعى أن عمر لم يأخذ الزكاة ممن أسلم من أصحاب أرض الخراج فقد كذب جدا ولا يجد هذا أبدا، ومن ادعى ان عمر أسقط الزكاة عنهم كمن ادعى انه اسقط الصلاة عنهم ولا فرق.
وموه بعضهم بأن ذكر ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشأم مديها (1) ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم) (2) شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه، قالوا: فأخبر عليه السلام بما يجب في هذه الأرضين، ولم يخبر ان فيها زكاة، ولو كان فيها زكاة لاخبر بها.
قال أبو محمد: مثل هذا ليس لا يراده وجه إلا ليحمد الله تعالى من سمعه على خلاصه من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل ومعارضة الحق بأغث ما يكون من الكلام؟!
وليت شعري في أي معقول وجدوا أن كل شريعة لم تذكر في هذا الحديث فهي ساقطة؟
وهل يقول هذا من له نصيب من التمييز؟ وهل بين من أسقط الزكاة - لأنها لم تذكر في هذا الخبر - فرق وبين من اسقط الصيام لأنه لم يذكر في هذا الخبر، ومن اسقط الصلاة والحج لأنهما لم يذكرا في هذا الخبر؟.
وحتى لو صح لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد بهذا الخبر ذكر ما يجب في هذه الأرضين - ومعاذ الله من أن يصح هذا فهو الكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -: لما كان في ذلك اسقاط سائر حقوق الله تعالى عن أهلها، وليس في الدنيا حديث انتظم ذكر جميع الشرائع أولها عن آخرها، ونعم، ولا سورة أيضا.
وإنما قصد عليه السلام في هذا الحديث الانذار بخلاء أيدي المفتتحين لهذه البلاد من أخذ طعامها ودراهمها ودنانيرها فقط، وقد ظهر ما أنذر من عليه السلام.
ومن الباطل الممتنع أن يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زعموا، لأنه لو كان ذلك، وكان أرباب أراضي (3) الشأم، ومصر، والعراق مسلمين، فمن هم المخاطبون بأنهم يعودون كما