(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف الشعر الأوسط (1) من رمضان، فاعتكف عاما (2) حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها (3) من اعتكافه - قال: من كان (4) اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، فمطرت السماء (6) تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فبصرت (7) عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين).
قال أبو محمد: من المحال الممتنع أن يكون عليه السلام يقول هذا القول بعد انقضاء ليلة إحدى وعشرين، وينذر بسجوده في ماء وطين فيما يستأنف، ويكون ذلك ليلة إحدى وعشرين التي مضت، فصح ان معنى قول الراوي: (حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين) أراد استقبال ليلة إحدى وعشرين، وبهذا تتفق رواية يحيى بن أبي كثير مع رواية محمد بن إبراهيم، كلاهما عن أبي سلمة ورواية الدراوردي وابن أبي حازم ومالك، كلهم عن يزيد ابن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي.
وروينا من طريق البخاري: نا أبو النعمان - هو محمد بن الفضل - نا حماد بن زيد نا يحيى - هو ابن سعيد الأنصاري - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلى الصبح ثم يدخله).
قال أبو محمد: هذا تطوع منه عليه السلام، وليس أمرا منه ومن زاد في البر زاد خيرا.
ويستحب للمعتكف والمعتكفة أن يكون لكل أحد خباء في صحن المسجد، ائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك واجبا وبالله تعالى التوفيق.
(تم كتاب الاعتكاف وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والحمد لله رب العالمين)