ظن المسلمين الظفر بهم استحب قتالهم لما فيه من الجهاد وحصول النصر واتمام النسك، وان غلب على ظنهم ظفر الكفارة فالأولى الانصراف لئلا يغرروا بالمسلمين، ومتى احتاجوا في القتال إلى لبس ما تجب فيه الفدية كالدرع والمغفر فعلوا وعليهم الفدية لأن لبسهم لأجل أنفسهم فأشبه ما لو لبسوا لاستدفاء من دفع برد (فصل) فإن أذن لهم العدو في العبور فلم يثقوا بهم فلهم الانصراف لأنهم خائفون على أنفسهم فكأنهم لم يأمنوهم، وان وثقوا بأمانهم وكانوا معروفين بالوفاء لزمهم المضي على احرامهم لأنه قد زال حصرهم، وان طلب العدو خفارة على تخلية الطريق وكان ممن لا يوثق بأمانة لم يلزمهم بذله لأن الخوف باق مع البذل، وإن كان موثوقا بأمانة والخفارة كثيرة لم يجب بذله، بل يكره إن كان العدو كافرا لأن فيه صغارا وتقوية للكفار، وان كانت يسيرة فقياس المذهب وجوب بذله كالزيادة في ثمن الماء للوضوء. وقال بعض أصحابنا: لا يجب بذل خفارة بحال وله التحلل كما أنه في ابتداء الحج لا يلزمه إذا لم يجد طريقا آمنا من غير خفارة (مسألة) قال (وإن منع من الوصول إلى البيت بمرض أو ذهاب نفقة بعث بهدي إن كان معه ليذبحه بمكة وكان على احرامه حتى يقدر على البيت) المشهور في المذهب أن من يتعذر عليه الوصول إلى البيت بغير حصر العدو من مرض أو عرج أو ذهاب نفقة ونحوه أنه لا يجوز له التحلل بذلك. روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس ومروان وبه قال مالك والشافعي وإسحاق، وعن أحمد رواية أخرى له التحلل بذلك. روي نحوه عن ابن مسعود وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وأبي ثور لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى " رواه النسائي، ولأنه محصر يدخل في عموم قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) يحققه أن لفظ الاحصار إنما هو للمرض ونحوه يقال أحصره المرض احصارا فهو محصر وحصره العدو حصرا فهو محصور فيكون اللفظ صريحا في محل النزاع وحصر العدو مقيس عليه، ولأنه مصدود عن البيت أشبه من صده عدو، ووجه الأولى أنه لا يستفيد بالاحلال الانتقال من حاله ولا التخلص من الأذى الذي به بخلاف حصر العدو، ولان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير فقالت اني أريد الحج وأنا شاكية فقال " حجي واشترطي ان محلي حيث
(٣٧٦)