(القسم الثاني) أن يدعى اجماع العصر الأول بعد اختلافهم لما روى من رجوع من قال بذلك منهم وممن تعرض لذلك من أصحاب القاضي أبو الطيب في تعليقه والعبد رى في الكفاية قالا روي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك فتكون المسألة إجماعا وابن عبد البر في التمهيد قال لم أعده خلافا لما روي عنه من رجوعه وقد قدمت أن من الصحابة من صح النقل عنه بذلك فرجع عنه يقينا كابن عمر وابن مسعود ومنهم من اختلف عنه في رجوعه كابن عباس وبقيتهم كأسامة وزيد بن أرقم والبراء وابن الزبير لم أثبت النقل عنه بذلك ولم يرد عنهم رجوع فإن كانوا قائلين بذلك ولم يرجعوا فقد تعذر دعوى هذا الوجه إلا وثبت رجوع ابن عباس ولم يبق فيهم مخالف فقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة إذا اختلف علماء العصر ثم اتفقوا ورجع المتمسكون بأحد القولين إلى الآخر وصاروا مطبقين عليه هل يكون ذلك إجماعا أولا وتلخيص القول في ذلك أنه إما أن يكون الخلاف قد استقر أولا إن لم يكن قد استقر كاختلافهم في قتل مانعي الزكاة ثم اجماعهم كلهم على رأى أبى بكر رضي الله عنه فهذا يجوز قولا واحدا ويكون إجماعا وهذا القسم لا خلاف فيه وإن كان الخلاف قد استقر وبرد ففيه خلاف مرتب على أنه هل يشترط انقراض العصر الأول أولا ان قلنا انقراض العصر شرط وهو ظاهر كلام أحمد بن حنبل وقول ابن فورك وأحد الوجهين لأصحابنا ونسبه عبد الجبار إلى أصحاب الشافعي وغيرهم ورجحه سليم في التقريب الأصولي وأطنب في الانتصار له وذهب إليه من المالكية أبو تمام البصري فعلى هذا يجوز اتفاقهم بعد اختلافهم ويكون كونه إجماعا موقوفا أيضا على انقراضهم (وإن قلنا) ان انقراض العصر الأول ليس بشرط وهو قول أكثر أصحابنا على ما نقله ابن الصباغ وغيره وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب مالك والأشاعرة ومن جملتهم القاضي أبو بكر بن الطيب والمعتزلة وأومأ إليه أحمد بن حنبل واختاره أبو الخطاب من أصحابه وهو الصحيح في شرح اللمع للمصنف رحمه الله وهو الذي اختاره الغزالي وأبو عبد الله ابن الخطيب وأتباعه وأبى عمر وابن الحاجب قال البندنيجي في مقدمة كتابه الذخيرة وقد غلط بعض أصحابنا فقال يعتبر انقراض العصر وليس بشئ ومن هؤلاء من يطلق أو يعمم الحكم في الاجماع القولي والسكوتي وهو الذي يقتضي كلام المصنف في التبصرة ترجيحه * ومنهم من يفصل
(٤٧)