ميلا فسر معه ميلين. " قلنا: بل طبيعة الإسلام هو العفو والمسامحة، قال - تعالى -: " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " (1) وإنما القتال فيه لرد اعتداء المعتدين على الحق أهله إلى أن يؤمن شرهم وتضمن السلامة من غوائلهم. ولم يكن ذلك للإكراه في الدين ولا للانتقام من مخالفيه ولهذا لا تسمع في تاريخ الفتوح الإسلامية ما تسمعه في الحروب المسيحية من قتل الشيوخ والنساء والأطفال.
الإسلام الحربي كان يكتفي من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه ثم يترك الناس وما كانوا عليه من الدين يؤدون ما يجب عليهم في اعتقادهم، وإنما يكلفهم بجزية يدفعونها لتكون عونا على صيانتهم والمحافظة على أمنهم في ديارهم، وهم في عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار لا يضايقون في عمل لا يضامون في معاملة.
خلفاء المسلمين كانوا يوصون قوادهم باحترام العباد في الصوامع والأديار كما كانوا يوصونهم باحترام دماء النساء والأطفال وكل من لم يعن على القتال.
جاءت السنة المتواترة بالنهي عن إيذاء أهل الذمة وبتقرير ما لهم من الحقوق على المسلمين: " لهم ما لنا وعليهم ما علينا. " و " من آذى ذميا فليس منا. " واستمر العمل على ذلك ما استمرت قوة الإسلام.
والمسيحية السلمية كانت ترى لها حق القيام على كل دين يدخل تحت سلطانها; تراقب أعمال أهله وتخصصهم دون الناس بضروب من المعاملة لا يحتملها الصبر مهما عظم حتى إذا تمت لها القدرة على طردهم بعد العجز عن إخراجهم من دينهم تعميدهم، أجلتهم عن ديارهم وغسلت الديار من آثارهم كما حصل ويحصل في كل أرض استولت عليها أمة مسيحية استيلاء حقيقيا... " (2) أقول: فأهل الذمة بعد عقدها والعمل بشرائطها يعيشون بين المسلمين في ظل