دينارا في كل سنة. وقال أبو حنيفة: لا يسقط ذلك بالإسلام. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم. " (1) أقول: أراد الشافعي بما قيده أن لا يقل المأخوذ منهم عن أقل الجزية لأهل الكتاب، فإن الأقل عنده دينار واحد لكل سنة.
ولا يخفى أن هذه المسألة من الخلاف تنافي ما سبق منه ومن المبسوط وغيرهما من عدم قبول الجزية من المشركين.
اللهم إلا أن يفرق بين المسألتين بأن قبول الجزية من أهل الكتاب والمجوس بنحو الإلزام، ومن المشركين بنحو الجواز ورعاية المصلحة.
أو أن جزية أهل الكتاب على رقابهم وجزية المشركين على الأراضي، أو أن جزية أهل الكتاب على نحو الدوام والاستمرار، وجزية المشركين على نحو التوقيت، حيث لا يجوز المهادنة على ترك القتال أكثر من عشر سنين كما بين في محله، أو أن المنع من أخذ الجزية من المشرك وأمثاله محمول على أخذها من الكفار الموجودين في داخل المجتمعات الإسلامية والحكم الإسلامي، فنقول بجواز أخذها من دول الكفر وحكامهم ومدنهم وقراهم ليكف عنهم ويكونوا مأمونين في ظل حماية الدولة الإسلامية والتعهد الدولي، إذ يبعد جدا وجوب قتل جميع الكفار في بلاد الكفر مع سعتها وكثرتهم كالهنود والبوذيين وأمثالهم، ولا إكراه في الدين ولا اعتبار به ما لم يكن على أساس العلم والمعرفة، وقد مر عن الماوردي قوله: " فيجب على ولي الأمر أن يضع الجزية على رقاب من دخل في الذمة من أهل الكتاب ليقروا في دار الإسلام. " فيظهر بذلك أن محل البحث في الجزية عندهم هي الأقلية الداخلة في المجتمعات الإسلامية في دار الإسلام. والمسألة محتاجة إلى كثرة بحث وتنقيح.
ويحتمل بعيدا أن الشيخ أراد بالمشركين في كلامه هنا خصوص أهل الكتاب،