حكما كليا إلهيا أو سلطانيا كليا ثابتا، كما يحتمل أن يكون الحكم فيها هو أنها في اختيار الإمام في كل عصر، وإبقاؤها للمسلمين يكون أحد شقوق اختياره، كما هو المستفاد من قصة صنع الخليفة الثاني في أرض السواد وتصويب أمير المؤمنين (عليه السلام) له كما مر. نعم، ظاهر أصحابنا الإجماع على الأول، فتدبر.
8 - موثقة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشراء من أرض اليهود والنصارى؟ فقال: " ليس به بأس، قد ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعلمونها ويعمرونها، فلا أرى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا. وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم. " (1) أقول: الظاهر أن منشأ السؤال أن أراضي اليهود والنصارى لم تكن لأنفسهم بل للمسلمين وهم كانوا زراعها وأكرتها. وأراضي خيبر كانت كذلك، لأنها فتحت عنوة، فمتعلق الاشتراء فيها لا محالة لم يكن رقبتها بل حق الإحياء الثابت لليهود فيها بالنسبة إلى ما حصل بعد الفتح.
ويستفاد من هذا الحديث أمران ينبغي الالتفات اليهما:
الأول: أن الإحياء يوجب الأحقية ولو كان المحيي غير مسلم، وهو الذي يقتضيه الطبع أيضا، حيث إن حياة الأرض محصول عمل المحيى، وعمله محصول فكره قواه، والإنسان مالك لفكره وقواه تكوينا فيملك محصولها أيضا، إذ نظام التشريع الصحيح تابع لنظام التكوين.
الثاني: ما يأتي منا في محله من أن إحياء الأرض لا يستلزم ملكية الرقبة، وإنما يستلزم ملكية ما صدر عن المحيي، وهو حيثية الإحياء والعمران فقط. ويستفاد هذا المعنى من تطبيق الإمام (عليه السلام) قوله: " وأيما قوم أحيوا... " على أرض خيبر، مع أن رقبتها خرجت عن ملك اليهود بالاغتنام. وعلى هذا فالاستدلال بهذا التعبير على ملكية الرقبة محل نظر وإشكال، فتدبر.