الثاني: أن يريد أن ما صدر عنى هو نقل فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعفوه عن غير التسعة هذا لا ينافي ثبوت الزكاة في غيرها بعد ذلك فيكون سؤالك بلا وجه، ولكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر، مضافا إلى أن ظاهر السؤال في صدر الخبر هو السؤال عن الحكم الفعلي لا عما صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتأمل.
3 - ومنها أيضا مرسلة القماط، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الزكاة فقال: " وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزكاة على تسعة وعفا عما سوى ذلك: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، والذهب والفضة، والبقر والغنم والإبل. " فقال السائل: والذرة، فغضب (عليه السلام) ثم قال: " كان والله على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السماسم والذرة والدخن جميع ذلك. " فقال: إنهم يقولون: إنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب وقال: " كذبوا. فهل يكون العفو إلا عن شيء قد كان؟ ولا والله ما أعرف شيئا على الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن من شاء فليكفر. " (1) والحديث مرسل، مضافا إلى أن عدم ذكره في الكتب الأربعة أيضا ربما يوهنه.
وظاهر هاتين الطائفتين سعة موضوع الزكاة بحسب الجعل الأولى من قبل الله - تعالى - ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه كان سلطانا وحاكما على المسلمين وضعها على تسعة وعفا عما سواها، وظاهر الطائفة الثانية أن حكمه السلطاني مستمر دائم لا أنه مخصوص بعصره (صلى الله عليه وآله وسلم). والتعبير بعفو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقع في أحاديث السنة أيضا بالنسبة إلى بعض الأشياء: ففي سنن البيهقي بسنده، عن معاذ بن جبل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر. " وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ الرمان والقضب فقد عفا عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). (2) إلى غير ذلك من الأخبار فراجع.