وقد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقضي في المسجد ودكة القضاء معروفة إلى يومنا هذا، فالأولى جوازه وفيه خلاف.
فأما إقامة الحدود فمكروه عند الكل فيها، وحكي عن بعضهم جوازه، وقال:
يفرش له نطع ويحد عليه، فإن بدرت منه بادرة كانت على النطع.
ويكره للقاضي أن يقضي وهو غضبان، ويستحب له إذا غضب أن يدع القضاء حتى إذا زال غضبه قضى بين الناس، لما روي عنه عليه السلام أنه قال: لا يقضي القاضي ولا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان.
وروت أم سلمة أن النبي عليه السلام قال: من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فلا يقضين وهو غضبان.
وكل معنى يكون به في معنى الغضبان كان حكمه حكم الغضبان، كالجوع الشديد والعطش الشديد والغم الشديد والفرح الشديد والوجع الشديد ومدافعة الأخبثين والنعاس الذي يغمر القلب، كل ذلك سواء.
روى أبو سعيد الخدري أن النبي عليه السلام قال: لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان، وروى عبد الرحمن بن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يقضي القاضي وهو غضبان مهموم، ولا مصاب محزون، ولا يقضي وهو جائع.
فإن خالف وقضى بين الناس على الصفة التي ذكرناها فوافق الحق نفذ ولا ينقض حكمه، لما روي أن الزبير بن العوام ورجلا من الأنصار اختصما إلى رسول الله في شراج الحرة، فقال النبي عليه السلام: اسق زرعك يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك؟ فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اسق زرعك يا زبير ثم احبس الماء حتى يبلغ أصول الجذر.
فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله استنزل الزبير عن كمال حقه فقال: اسق زرعك، فلما كلمه الأنصاري غضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم حكم للزبير بكل حقه فقال: واحبس الماء حتى يبلغ أصول الجذر، فثبت أن حكم الحاكم وهو غضبان ماض إذا كان حقا.