كما يقال في الخطيب يقبل بوجهه قصد وجهه، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا لأنه أقرب إلى التسوية بينهم، فإذا حصل في بلد الولاية نادى فيه وأعلم أهله بقدومه، فإن كان كبيرا نادى حتى يعلم كل أحد، وإن كان صغيرا ينتشر خبره في يوم لم يزد على يوم، وإن كانت قرية يعرف أهله من ساعته استغنى عن النداء.
والنداء أن يقول: ألا إن فلان بن فلان قد أتى قاضيا فاجتمعوا لقراءة عهده يوم كذا في وقت كذا، فإن حضروا قرأ العهد عليهم، وانصرف إلى منزله ليدبر أمر القضاء من بعد، وأول ما يبدأ بالنظر فيه سنذكره فيما بعد.
وإذا أراد القاضي أن يقضي بين الناس فالمستحب أن يقضي في موضع بارز للناس مثل رحبة أو فضاء ليصل كل ذي حاجة إليه من غير مزاحمة، فيكون أرفق بهم، ويستحب أن يكون في وسط البلد لأنه أقرب ما يكون إلى المساواة بين الناس، فإن نزل في طرف البلد أو قضى في بيته أو موضع ضيق جاز.
وروت أم سلمة قالت: اختصم رجلان من الأنصار في مواريث فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما في بيتي.
ويستحب أن يصل إليه في مجلس حكمه كل أحد، ولا يتخذ حاجبا يحجب الناس عن الوصول إليه، بلى إن كان له حاجب لغير هذا اليوم جاز، روى أبو مريم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: من ولى شيئا من أمور الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره.
وأما الحكم في المساجد فقد كرهه قوم إذا قصد الجلوس فيه للحكم، فإن كان جالسا واتفقت حكومة جاز أن يقضى بينهما، سواء كان المسجد صغيرا أو كبيرا، لما روي أن النبي عليه السلام سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال: لا وجدتها إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم و خصوماتكم والحكومة، وهذا موجود في أحاديثنا أيضا مثله.