إعطاء الرزق للقضاء إجماع، ولأن بيت المال للمصالح، وهذا منها بل أكثرها حاجة إليه، لما فيه من قطع الخصومات، واستيفاء الحقوق، ونصرة المظلوم ومنع الظالم، هذا إذا لم يتعين عليه القضاء.
فأما إن تعين عليه القضاء لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون له كفاية أو لا كفاية له، فإن كانت له كفاية حرم عليه أخذ الرزق لأنه يؤدي فرضا قد تعين عليه، و من أدى فرضا لم يحل له أخذ الرزق عليه مع الاستغناء عنه، وإن لم يكن له كفاية حل ذلك له لأن عليه فرض النفقة على عياله وفرضا آخر وهو القضاء، وإذا أخذ الرزق جمع بين الفرضين، لأن الرزق يقوم مقام الكسب، فكان الجمع بين الفرضين أولى من إسقاط أحدهما، هذا عندنا وعندهم.
وحكم الشهادة في أخذ الجعل عليها عندنا لا يجوز بحال، وقالوا: لا يخلو الشاهد من أحد أمرين: إما أن يكون قد تعينت عليه أو لم تتعين.
فإن لم يكن تعين عليه الأداء والتحمل نظرت: فإن لم يكن له كفاية حل له، وإن كانت له كفاية فالمستحب له أن لا يفعل، وإن فعل جاز.
وإن تعين عليه الأداء والتحمل نظرت: فإن كانت له كفاية لم يحل له الأخذ وإن لم يكن له كفاية جاز له الأخذ كالقضاء سواء، وهكذا قالوا في الإمامة العظمى والأذان والإقامة، يؤخذ الرزق على ذلك ولا يكون أجرة لأنه عمل لا يفعله عن الغير، وإذا فعله عن نفسه عاد نفعه إلى الغير، وعندنا أن جميع ذلك لا يجوز أخذ الجعل عليه، فإن كان الشاهد أو المؤذن أو المقيم محتاجا جعل له من بيت المال سهم من المصالح، فأما الإمامة العظمى فلها أشياء تخصها من الأنفال وغير ذلك، فلا حاجة مع ذلك إلى أخذ الرزق عليه.
إذا علم الإمام أن بلدا من البلاد لا قاضي له لزمه أن يبعث إليه، روي أن النبي عليه السلام بعث عليا عليه السلام إلى اليمن وبعث علي عليه السلام ابن عباس إلى البصرة قاضيا، وعليه إجماع.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن كان الإمام يعرف من يصلح له ولاه ذلك، وإن لم