ابن مسعود أنه قال: لأن أجلس يوما فأقضي بين الناس أحب إلي من عبادة سنة.
وعليه إجماع الأمة إلا أبا قلابة فإنه طلب للقضاء فلحق بالشام، وأقام زمانا ثم جاء فلقيه أيوب السجستاني وقال له: لو أنك وليت القضاء وعدلت بين الناس رجوت لك في ذلك أجرا، فقال: يا أيوب السابح إذا وقع في البحر كم عسى أن يسبح؟ إلا أن أبا قلابة رجل من التابعين لا يقدح خلافه في إجماع الصحابة، وقد بينا أنهم أجمعوا ولا يمنع أن يكون امتناعه كان لأجل أنه أحس من نفسه بالعجز لأنه كان من أصحاب الحديث ولم يكن فقيها.
وهو من فروض الكفايات إذا قام به قوم سقط عن الباقين، فإن أطبق أهل بلد على تركه وامتنعوا منه فقد خرجوا وأثموا، وكان للإمام قتالهم عليه، لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: إن الله لا يقدس أمة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه، ولأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإن وجد الإمام ثقة من أهل العلم يرضاه للقضاء وهناك مثله استحب له أن يطيعه، فإن لم يفعل قال قوم: للإمام إجباره عليه لأنه يدعوه إلى طاعة، وقال آخرون: ليس له إجباره، وهو الأقوى عندي لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: إنا لا نجبر على القضاء أحدا، وقد روي كراهة تولي القضاء والامتناع لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين.
وروى ابن عباس أن النبي عليه السلام قال: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين، قيل: يا رسول الله وما الذبح؟ قال: نار جهنم.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فمن شدة ما يلقاه من الحساب يود أن لم يكن قضى بين اثنين في تمرة.
والوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن من كان من أهل العلم بالقضاء ويقضي بالحق فهو مثاب، ومن كان من أهل العلم لكنه لا يقضي بالحق أو كان جاهلا لم يحل له أن يليه وكان مأثوما فيه، لما روى ابن بريدة عن أبيه أن النبي عليه السلام