ومن قال ينزع من يده قال: يسلم نصف الغائب إلى أمين، فإن كان له أجرة جعلت أجرته للغائب، وإن لم يكن له حفظ لصاحبه، فإذا ثبت هذا ودفعنا إلى الحاضر نصيبه لم نطالبه بضمين، لأنا قد حكمنا له بالحق، فلا يؤخذ منه ضمين.
فإذا ثبت هذا وقدم الغائب نظرت: فإن ادعى ما حكمنا له به تسلمه، وإن ذكر أنه لا حق له فيه، رددنا ما قضينا به له على من قضينا عليه به، هذا إذا كانت البينة من أهل الخبرة.
فأما إن لم تكن من أهل الخبرة الباطنة ولا المعرفة المتقادمة فقالا: هذان وارثاه، لا نعرف له وارثا سواهما، أو كانت من أهل الخبرة لكنها قالت: هذان وارثاه، أو قالا: هما ابناه، ولم يقولا: لم نعلم له وارثا سواهما، فالحكم في هذه المسائل الثلاث واحد، وهو أنا ننتزع الدار ممن هي في يده، لأنه قد ثبت أنها للميت موروثة، ولا نعطي الحاضر منها شيئا لجواز أن يكون هناك وارث سواهما فلا يدفع إليه شئ حتى يبحث الحاكم في البلدان التي طرقها الميت ودخلها وينادي أن فلانا مات هل تعرفون له ولدا؟ فإذا انتهى إلى حد لو كان له وارث ما خفي أقيم هذا البحث مقام خبرة الشهود، وتقادم معرفتهم به، ويدفع إلى الحاضر حقه ونصيب الغائب على ما بيناه من الخلاف.
وإذا دفع إلى الحاضر نصف المشهود به، قال قوم: لا يؤخذ منه ضمين، وقال آخرون: يؤخذ، وهو الأقوى، لأنه ربما ظهر له وارث آخر فعلى هذا يكون ضمان الأعيان جائزا، لأن الضامن يضمن ما في يده من العين، ويكون الضمان بمجهول لا يعرفه الضامن جائزا لأن قدر ما يضمنه لمن يبين مجهول.
فإن كان معهما ذو فرض كالزوج والزوجة والأم فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون في المسألة الأولى أو الثانية.
فإن كان في الأولى أعطي ذو الفرض فرضه وكان الباقي بعد الفرض على ما مضى، أعطي الحاضر نصف ما بقي، وما بقي للغائب على ما مضى، ولا يؤخذ منه ضمين هاهنا، لأن البينة كاملة.