فإن قلت: مقتضى مفهوم الشرط أنه يجوز لأهل القرى إقامة الجمعة إذا وجد فيهم من يقدر على الخطبة، وهو المطلوب.
قلت: مضافا إلى أن القيد الوارد مورد الغلبة لا يكون له مفهوم كما في قوله تعالى:
(وربائبكم اللاتي في حجوركم) (1): إنه ليس المراد بقوله: " من يخطب " كل من يقدر على الخطبة، بل المراد به من كان من شأنه إقامة الجمعة وقراءة الخطبة كالإمام أو من نصبه، إذ الكلام قد ألقي إلى من غرس في ذهنه بحسب السيرة المستمرة التي هي كالقرينة المتصلة كون إقامة الجمعة وقراءة الخطبة من الوظائف لأشخاص معينة، فيتبادر إلى ذهنه من هذا الكلام أن أهل القرى يصلون الظهر أربعا إذا لم يوجد فيهم شرط إقامة الجمعة أعني من يكون إقامة الجمعة والخطبة من مناصبه ووظائفه.
كيف؟ ولو كان المراد به كل من يقدر عليها لكان ذكره لغوا، إذ قلما يفرض من لا يقدر على أقل الواجب من الخطبة ولا سيما فيمن يتكلم بالعربية، وكيف لا يقدر على أقل الواجب منها من يؤم القوم في القرية ويقيم لهم الجماعة مع أن أقل الواجب منها لا يزيد على قراءة الصلاة مثلا وهي مما يعرفها ويقدر عليها كل مسلم.
وبهذا البيان يظهر لك الجواب عن رواية البقباق أيضا، حيث علق فيها إقامة الجمعة على وجود من يخطب لهم، وقد عرفت أن المراد به من كان قراءة الخطبة من شؤونه ومناصبه لا كل من يقدر عليها. وقوله: " صلوا الجمعة أربع ركعات " من أقوى الشواهد على ما ذكرناه من كون المراد بالجمعة في رواية محمد بن مسلم أيضا هو الظهر لا الجمعة المصطلحة.
فمحط النظر في الأخبار الثلاثة بيان حكم واحد، وهو أنه يجوز الإتيان بصلاة الظهر في يوم الجمعة جماعة إذا لم يوجد شرط إقامة الجمعة وهو الإمام الذي يخطب، وإنما ذكر عنوان القرية من جهة أن الغالب فيها عدم التمكن ممن يقيم