شيخنا المرتضى بما لفظه: وهذا الجمع حسن لو كان المقام مقام بيان السبب للتقصير فيحمل على تعدد السبب كما في نظائره، لكن المقام مقام بيان التحديد، والحمل على تعدد الحد غير مستقيم بين الأقل والأكثر، ولعله لذا عكس المتأخرون الجمع بين الصحيحتين فاعتبروا خفاء الأمرين. " انتهى. ثم قال في المصباح ما حاصله: " أن العادة قاضية بكون تواري الشخص من البيوت فضلا عن تواري جدران البلد عنه أخص من خفاء الأذان، وصحيحة محمد بن مسلم لا تدل على انتفاء التقصير عند انتفاء التواري إلا بالمفهوم الذي غايته الظهور، فلا يصلح معارضا للصحيحة الثانية التي هي نص في إناطة الحكم وجودا وعدما بسماع الأذان وعدمه. فمقتضى الجمع حمل صحيحة ابن مسلم على تحديد تقريبي ببيان الموضوع الذي يتحتم عنده التقصير من غير أن يقصد به الانتفاء عند الانتفاء، والحد الحقيقي هو بلوغه إلى موضع لا يسمع فيه الأذان ". (1) أقول: يرد على الشيخ (قده) أنه كر على ما فر منه، فإنه اعترض على المشهور بأن تعدد الحد غير مستقيم بين الأقل والأكثر من جهة استلزامه طرح الأكثر وكون التحديد به لغوا، مع أن القول باعتبار الأمرين أيضا يوجب طرح الأقل رأسا وكون ذكره لغوا. وقد عرفت أن الحق في المقام أن يقال بعدم ثبوت التعارض والتنافي بين الحدين حتى نتكلف للجمع بينهما، بل لعلهما يتلازمان غالبا، فجعل الشارع كل واحد منهما علامة ومعرفا للبعد المخصوص، وللمكلف أن يعتمد على أي منهما حصل. ثم لو فرض التنافي والتعارض فكلام صاحب المصباح كلام متين، ولكن يجب أن يريد بالبيوت والتواري ما ذكرناه حتى يتقارب الحدان ويكون تواري المسافر عن البيوت حدا تقريبيا، فتدبر.
(٣٠٨)