أقول: قد مر منا سابقا أن مبدأ المسافة يعتبر من البلد لا من حد الترخص، فما دون حد الترخص يحسب من المسافة مع ثبوت الإتمام فيه قطعا. وعلى هذا فالوصول إلى ما دون حد الترخص لاعوجاج الطريق ونحوه لا يوجب انقطاع السفر وعدم انضمام المسافة السابقة إلى اللاحقة، ولا يجعل السفر سفرين، بل القسمة الواقعة فيما دون الحد أيضا تحسب من المسافة قطعا، لعدم كونها أسوء حالا من القسمة الواقعة بين البلد وحد الترخص في ابتداء السفر، وبالجملة لا ملازمة بين وجوب الإتمام وعدم الاحتساب من المسافة، فلو سلم وجوب الإتمام عليه إذا وصل إلى ما دون المسافة لاعوجاج الطريق فقاطعيته للسفر وعدم احتساب هذه القسمة من المسافة ممنوعة.
ويمكن أن يستشكل في أصل وجوب الإتمام أيضا، إذ الشخص بخروجه من البلد صار مسافرا حقيقة، ولذا تحسب المسافة من نفس البلد، غاية الأمر أنه ثبت بأدلة اعتبار حد الترخص ثبوت الإتمام فيما دونه تعبدا.
وحينئذ فلأحد أن يقول بانصراف الصحيحتين إلى خصوص مبدأ السفر ومنتهاه.
فالمسافر ما لم يصل في ابتداء سفره إلى حد الترخص لم يثبت له القصر شرعا، بل لعل العرف أيضا لا يعتبر خروجه من البلد بالكلية، وقس عليه حكم الانتهاء.
وأما في الأثناء فلا دليل على ثبوت الإتمام بعد صدق عنوان السفر حقيقة.
اللهم إلا أن يقال بأن اعتبار حد الترخص ليس تعبدا محضا كما مر سابقا، بل من جهة أن المسافر ما لم يتوار عنه آثار بلده لم يعد مسافرا بل يعد حاضرا في بلده عرفا، ولا يفرقون في ذلك بين المبدأ والمنتهى، وبين الأثناء. هذا.
ولكن يرد على ذلك أن مقتضاه اعتبار المسافة أيضا من حد الترخص، مع وضوح بطلانه، كما مر في محله.