وبعبارة أخرى: الظاهر كون الإمام (عليه السلام) بصدد تعيين الوظيفة لمن أراد أن يشرع في صلاته فقال: " إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر "، أي اقرأ صلاة مقصورة.
وأما على فرض شموله للمقام فيصير معناه: اجعل المقروءة مقصورة، وهو خلاف الظاهر جدا، لا أقول: إن قصد الإتمام أولا يضر حتى يدفع بعدم كون القصر والإتمام من العناوين القصدية، بل أقول: إن الرواية إما أن تكون ناظرة إلى بيان الوظيفة لمن أتم تشهده مثلا وتردد أمره بين أن يسلم أو يقوم، فيكون معنى قوله " قصر ": " اجعل ما بيدك مقصورة "، وإما أن تكون ناظرة إلى تعيين الوظيفة لمن أراد أن يشرع في صلاته، ويكون معنى قوله " قصر ": " اقرأ صلاة مقصورة ". ولا يخفى أن المتبادر هو الثاني، وأما الحمل على الجامع بين المعنيين فمشكل جدا.
والحاصل أن شمول الرواية لمثل من شرع في صلاته قبل الوصول إلى حد الترخص بنية الإتمام، ووصل إلى الحد في أثنائها مشكل، فيرجع إلى ما هو الأصل في الصلاة، وهو الإتمام، فإنها بحسب طبعها غير مقصورة، كما يستفاد ذلك مما دل على كون عدد الفرائض والنوافل إحدى وخمسين.
وقد اختار هذا القول في التذكرة أيضا، حيث قال: " ولو أحرم في السفينة قبل أن تسير وهو في الحضر، ثم سارت حتى خفي الأذان والجدران لم يجز له القصر، لأنه دخل في الصلاة على التمام ". (1) والظاهر أن مراده (قده) من تعليله هو ما ذكرناه من كون أدلة القصر ناظرة إلى بيان الوظيفة لمن وقع جميع صلاته في السفر، ولا يشمل إطلاقها لهذه الصلاة التي وقعت عمدتها فيما دون حد الترخص، ولم يرد كون القصر والإتمام من العناوين القصدية، وإن كان ربما يوهمه ظاهر كلامه، فتدبر.
وربما يتمسك في المقام لإثبات وجوب التمام بالاستصحاب، بتقريب أن هذا