ويوجه الأول: بأن الإقامة قاطعة للسفر موضوعا كما مر بيانه في محله، فهي تجعل السفر سفرين شرعا. فالمسافر بوصوله إلى محل الإقامة يخرج من كونه مسافرا حتى ينشئ سفرا جديدا، وقد عرفت في المسألة السابقة أن اعتبار حد الترخص ليس تعبدا محضا، بل هو من جهة أن الشخص ما لم يخرج من فناء البلد ولم يتجاوز عن حدوده وتوابعه المتصلة به لا يعد بنظر العرف مسافرا، بل يعد حاضرا في هذا البلد ما لم يخف عليه آثاره المدركة بالسمع أو البصر، ومقتضى هذا البيان أن يخرج المسافر بوصوله إلى حد ترخص محل الإقامة من كونه مسافرا في طرف الدخول، أن لا يصدق عليه هذا العنوان ما لم يصل إليه في طرف الخروج.
ويوجه الثاني: بأن أدلة ثبوت القصر للمسافر مطلقة، وغاية ما ثبت بسبب الصحيحتين السابقتين تقييدها بالنسبة إلى الوطن فقط، فإنه وإن لم يذكر فيها لفظ الوطن ولذلك ربما ادعي إطلاقهما لكل بلد أنشئ منه السفر لكنهما تنصرفان إلى الوطن قطعا. ويؤيد ذلك قوله في صحيحة ابن سنان: " وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك "، فيبقى محل الإقامة مشمولا لعمومات أدلة القصر. وما ذكر من وحدة الملاك في الوطن ومحل الإقامة بعد تسليم القاطعية الموضوعية ممنوع، إذ العرف أيضا يفرق بينهما، فيعد المسافر الذي لم يخف عليه آثار بلده حاضرا فيه، بخلاف من خرج من محل الإقامة، فإنه بعد ما أعرض عنه بالخروج يصدق عليه عنوان المسافر وإن لم يصل بعد إلى حد الترخص. والسر في ذلك أن محل الإقامة بالخروج منه يخرج من كونه مقرا للإنسان بالكلية ويصير بالنسبة إليه كغيره من البلدان.
ويوجه الثالث: بأن الإقامة بعد ما تحققت تقطع السفر وتجعل محلها بمنزلة الوطن فيترتب عليه آثاره، وأما قبل تحققها فلا يترتب على المحل حكم الوطن ولا يخرج الإنسان بالوصول إليه من كونه مسافرا. هذا.
والأحوط في المسألة هو الجمع. أو تأخير الصلاة إلى أن يصل إلى محل لا يشك في حكمه ولا سيما في طرف الدخول.