كان المتعارف في الأسفار تخلل وقوفات يسيرة في أثنائها لتجديد القوى الاستراحة صارت هذه الوقوفات المتخللة بين كل سفر بمنزلة الجزء له عرفا وكان الحكم الثابت للسفر ثابتا لها أيضا بنظر العرف.
هذا إذا كانت مدة تلك الوقوفات قصيرة وكان المقصود بها تجديد القوى لإدامة السير فقط، وأما إذا طالت مدة الوقوف فلا يتبادر إلى أذهان العرف كونه جزء من السفر وكون حكم السفر مترتبا عليه، بحيث لو لم يكن أخبار الإقامة أيضا لم يفهم المخاطبون بآية القصر ثبوت حكم القصر بالنسبة إلى هذا القسم من الوقوفات الطويلة وكان ثبوته بالنسبة إليها مستبعدا عندهم، لعدم عدهم إياها من أجزاء السفر.
ولأجل هذا المعنى تشتت آراء أهل الرأي في تلك الأعصار في بيان حد الوقوف الذي ينصرف عنه إطلاق آية القصر ورواياته، وحده كل منهم بحد مخصوص بحسب مناسبة خاصة. فعن عائشة أنها قالت بثبوت القصر للمسافر ما لم يحط رحله عن مركبه، وحده الشافعي بأربعة أيام سوى يومي الورود والخروج، وأبو حنيفة بخمسة عشر يوما (1). وبالجملة كل منهم بعد استبعاد بقاء حكم السفر عند طول مدة الوقوف اتخذ في بيان حده مشربا خاصا، وكان هذا المقدار من الوقوف بنظرهم قاطعا للسفر وموجبا لزوال اسمه، بحيث يتوقف ثبوت القصر على إنشاء سفر جديد حتى يصير به ثانيا مصداقا للآية الشريفة.
فهذا المعنى كان مركوزا في أذهان الفقهاء المعاصرين لأئمتنا (عليهم السلام)، وكان أصحابنا الإمامية أيضا ينسبق إلى أذهانهم هذا المعنى ولا سيما بعد اختلاطهم بهؤلاء الفقهاء، ولكنهم لما كانوا متعبدين بفتاوى الأئمة (عليهم السلام) راجعوهم وسألوهم عن حد الإقامة التي شأنها قطع موضوع السفر بعد كون أصل هذا المعنى مركوزا في