التعبيرات المختلفة التي ذكروها في بيان المسافة المعينة المحدودة، واللازم إرجاع التعبير الثالث إلى الأول وإلا لفسد المعنى كما لا يخفى.
وقال المحقق: " الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد. " (1) وفي السرائر عن المسعودي في كتاب مروج الذهب أنه قال: " الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود، وهو الذراع الذي وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل. " ثم قال: " والذراع أربعة وعشرون إصبعا. " (2) أقول: الظاهر أن كلام المسعودي هو المتبع في هذا الباب، إذ ذراع اليد - وإن قيدناها بالتوسط - مما تختلف بحسب الأشخاص، وبحسبه يختلف الفرسخ كثيرا، من المستبعد تحديد المسافة بهذا الأمر غير المضبوط. فالظاهر أن الذراع في كل عصر كان عبارة عن طول معين عين من قبل السلاطين والمتنفذين لذرع الثياب الأرضين ونحوها، وكانوا يتصدون لتعيينها حسما لمادة النزاع والاختلاف. وهذا الطول المعين كان يختلف بحسب الأعصار والأمصار، وعليه يحمل الاختلافات الواقعة في تحديد الميل كما عرفت. والمسعودي كان قريب العهد بعصر المأمون، وكان مطلعا بوضع زمانه، فقوله متبع في هذا الباب.
لا يقال: أغلب أخبارنا في هذا الباب صدرت عن الصادقين (عليهم السلام)، فكيف تحمل على ما وضعه المأمون؟!
فإنه يقال: الوارد في أخبارنا التحديد بالميل فقط، وليس فيها تحديد بالذراع، سوى ما في رواية الخزاز من التحديد بثلاثة آلاف وخمسمأة ذراع، وما في مرسلة الصدوق من التحديد بألف وخمسمأة ذراع. والواجب حملهما على كون التحديد بذراع أطول من ذراع المأمون.