وتوصلت إلى اطلاع الخلق ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله وحده وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه للشهوات وتوقيه للشبهات وتحمله مشاق العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء وبالغوا في التفريط والاطراء، ونظروا إليه بعين التوقير والاحترام وتبركوا بمشاهدته ورغبوا في بركته ودعائه وفاتحوه بالسلام والخدمة وقدموه في المجالس والمحافل وتصاغروا له فأصابت النفس في ذلك لذة هي من أعظم اللذات وشهوة هي أغلب الشهوات فاستحقرت فيه ترك المعاصي والهفوات واستلانت خشونة المواظبة على العبادات لإدراكها في الباطن لذة اللذات وشهوة الشهوات فهو يظن أن حياته بالله وبعبادته المرضية وإنما حياته لهذه الشهوة الخفية التي يعمى عن دركها إلا العقول النافذة القوية ويرى أنه يخلص في طاعة رب العالمين وقد أثبت اسمه في جريدة المنافقين.
(وسأدلك على شئ إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره) قال الحكيم: صغار الشرك كقوله ما شاء الله وشئت، وكباره كالرياء (تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقولها ثلاث مرات) يحتمل كل يوم يحتمل كل ما سبق إلى النفس الوقوف مع الأسباب وذلك لأنه لا يدفع عنك إلا من ولي خلقك فإذا تعوذت به أعاذك لأنه لا يخيب من التجأ إليه وقصر نظر قلبه عليه وإنما أرشد إلى هذا التعود لئلا يتساهل الإنسان في الركون إلى الأسباب ويرتبك فيها حتى لا يرى التكوين والتدويم إلا رؤية الإيمان بالغيب فلا يزال يضيع الأمر ويهمله حتى تحل العقدة من عقله الإيمان فيكفر وهو لا يشعر فأرشده إلى الاستعانة بربه ليشرق نور اليقين على قلبه].
وقال العلامة المناوي أيضا:
[(الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدنا أن تحب على شئ من الجور أو تبغض على شئ من العدل وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله) أي ما دين الإسلام إلا ذلك لأن القلب لا بد له من التعليق بمحبوب فمن لم يكن الله وحده له محبوبه ومعبوده فلا بد أن يتعبد قلبه