فيهم لفضل يقينهم فإنه وإن خطر لهم فهو خطور خفي لا يؤثر في نفوسهم كما لا يؤثر دبيب النمل على الصفا، بل إذا عرض لهم خطرات الأسباب ردتها صلابة قلوبهم بالله.
(تنبيه): قال الإمام الرازي السلامة في القيامة بقدر الاستقامة في نفي الشركاء فمن الناس من أثبت ظاهرا وهو الشرك الظاهر، والاستقامة في الدنيا لا تحصل إلا بنفي الشركاء (فلا تجعلوا لله أندادا) ومنهم من أقر بالوحدانية ظاهرا لكنه يقول قولا يهدم ذلك التوحيد كان يضيف السعادة والنحوسة إلى الكواكب والصحة والمرض إلى الدواء والغذاء أو العمل إلى العبد استقلالا، وكل ذلك يبطل الاستقامة في معرفة الحق سبحانه وتعالى، ومنهم من ترك كل ذلك لكنه يطيع النفس والشهوة أحيانا وإليه أشار بقوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) وهذا النوع من الشرك هو المسمى بالشرك الخفي والمراد من قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل (واجعلنا مسلمين لك) وقول يوسف (توفني مسلما) وأن الأنبياء مبرؤون عن الشرك الجلي أما الحالة المسماة بالشرك الخفي وهو الالتفات إلى غير الله فالبشر لا ينفك عنه في جميع الأوقات فلهذا السبب تضرع الأنبياء والرسل في أن يصرف عنهم الأسباب تردها صلابة قلوبهم بالله].
وقال العلامة المناوي أيضا:
[(الشرك فيكم) أيها الأمة (أخفى من دبيب النمل) قال الغزالي: ولذلك عجز عن الوقوف على غوائله سماسرة العلماء فضلا عن عامة العباد والأتقياء، وهو من أواخر غوائل النفس وبواطن مكايدها وإنما يبتلى به العلماء والعباد المشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة، فإنهم مهما قهروا أنفسهم وجاهدوها وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات وحملوها بالقهر على أصناف العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم، فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ونظرهم إليه بعين الوقار والتعظيم فسارعت إلى إظهار الطاعة