[المسألة الثالثة]: لا يجوز الإقدام على التكفير والمسارعة بإطلاق الحكم فيه دون تثبت البتة، إلا في الأشياء الظاهرة الواضحة كسب الرب والدين والأنبياء والكتب المنزلة والملائكة، وأما ما يحتاج إلى نظر وتأمل ومعرفة المقصود بالكلام فلا ينبغي فيه التكفير العشوائي والاسراف فيه، لأن هناك طائفة من الناس تكفر فيما لا يوجب تكفيرا ولا ارتدادا، وتسرف في ذلك، وقد وقع من بعض من رأيتهم يكفرون أشخاصا بلا موجب لذلك ثم تبين لهم أنهم مخطؤون فيما ذهبوا إليه!!
فليكن قصد الإنسان هنا هو تخليص من وقع في الكفر بإرشاده ونصحه إلى التوبة لا ليثبت له أنه كفر وارتد، وإنما الواجب أن يأخذ بيده لينقذه إن أمكن فيقول له: هذه كلمات خطيرة ربما تخرج الإنسان من دينه ولا بد أن تتشهد للتخلص من الكلام الذي وقعت فيه بنية تجديد الإيمان.
فليحذر الإنسان العاقل من المسارعة في التكفير أيما حذر وخاصة الطلبة المبتدئون في العلم، وقد تقدم الحديث الواقع في هذه المسألة: " من قال لأخيه:
يا كافر، فقد باء بها أحدهما " رواه البخاري (10 / 514) ومسلم (1 / 79) من حديث ابن عمر مرفوعا.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث في " الفتح " (10 / 466):
" والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم،.... وقيل معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به. وقيل يخشى أن يؤول به ذلك إلى الكفر كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة، وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك كما سيأتي تقريره، فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره.... والحاصل أن المقول له إن كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل وذهب بها المقول له، وإن لم يكن