كفروا كمثل الذي ينعق) * إلى قوله: * (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) * ونحو ذلك من الآيات، وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول. وأصل العقل الامساك والاستمساك كعقل البعير بالعاقل وعقل الدواء البطن، وعقلت المرأة شعرها وعقل لسانه كفه، ومنه قيل للحصن معقل وجمعه معاقل) انتهى.
فقول سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه العقل عقلان مطبوع ومسموع يقتضي بيان أن العقل يراد به شيئان:
الأول: القوة المتهيئة في الإنسان لقبول العلم، فإن كانت قوية سمي صاحبها ذكيا وكان لديه استعداد للتطور السريع أو البطئ على حسب تلك القوة، وإن كانت ضعيفة سمي صاحبها غبيا مع كونه عاقلا، وهو إما ليس مستعدا للتطور العقلي وللوصول لدرجة بعد درجة، وأما أن يمكن تطوره لكن ببطء شديد، وهذه إرادة المولى سبحانه وتعالى وحكمته في خلقه، * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * ولله تعالى في خلقه شؤون.
المعنى الثاني: المراد بلفظ العقل هو: العلم والفهم الناتج عن القوة المتهيئة في الإنسان لقبول العلم بالأشياء وفهمها.
فالمعنى الأول للعقل يسمى (العقل المطبوع) وهو القوة التي خلقها الله تعالى في كل إنسان، أي الذي خلق وكان طبعا للانسان، والمعنى الثاني الذي شرحناه يسمى (العقل المسموع) أي الذي ينتج من سماع المعلومات وتلقيها وليس هو الغريزة التي خلقها الله تعالى في الجسم.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في هذا المعنى (الإحياء 1 / 88):
[... ومن أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة فكأنه منخلع عن ربقة العقل، ومن ظن أن عقل النبي ص مثل عقل آحاد السوادية وأجلاف البوادي فهو أخس في نفسه من آحاد السوادية! وكيف ينكر تفاوت الغريزة ولولاه لما أختلف الناس