الجماعة فيها وفي غيرها إلا بالوجوب والاستحباب فيمكن منعه (أولا) بأن الأمر بصلاة الجمعة المتقومة بالجماعة واحد فهذه الصلاة الخاصة مأمور بها بأمر وجوبي تعبدي، بخلاف الجماعة في غيرها فإنها مأمور بها بأمر آخر غير الأمر بأصل الصلاة، فلا منافاة بين أن يكون الأمر بأصل الصلاة تعبديا والأمر بالجماعة توصليا (وثانيا) أن التعبدية في الجمعة أيضا محل النظر فإن غاية ما ثبت فيها وجوب الجماعة شرطيا وأنها لا تنعقد إلا جماعة ولا منافاة بين أن يكون الأمر بالجمعة بما هي ركعتان تعبديا وأن يكون مشروطا بشرائط منها الجماعة، ولا يجب أن يكون الشرائط تعبدية إذا كان المشروط تعبديا، كما في شرائط الصلاة إلا إذا كانت العبادة شرطا كالوضوء.
وأما البحث في حكم الشك في تعبدية الجماعة، فمختصر القول فيه: إن الجماعة من هذه الجهة كسائر الواجبات والمستحبات فيحكم عليها بعدم التعبدية للشك في شرطية قصد القربة لوقوعها مصداقا للمستحب، إلا أنها تفارق غيرها من حيث إن أحكام الجماعة مخالفة للأصل ودفع شرطية القربة لا يثبت ضمان الإمام ولا سائر الأحكام، بل مقتضى الأصل عدم ثبوت تلك الأحكام، بل مقتضى عمومات أدلة القراءة والشكوك وغيرهما ثبوت هذه الأحكام العامة إلا إذا ثبت مخصص، ولا إطلاق لدليل المخصص لغرض الشك في أن موضوعه المستحب التعبدي أو ذات المستحب. نعم ربما يتخيل إن استحباب الجماعة إن كان مأخوذا في موضوع أحكامها الأخر لم يكن مجال للاطلاق إذ إطلاق دليل الحكم لا يعين موضوعه وأما إن كان الاستحباب وسائر أحكام الجماعة واردين على الجماعة في عرض واحد فلا مانع من التمسك بالاطلاق، لأن ما هو متعلق للحكم الاستحبابي موضوع لسائر الأحكام.
والتحقيق: إن الموضوع إن كان مجرد الاجتماع العرفي مع الإمام في الصلاة كان للتخيل المزبور مجال، وأما إذا كان الاجتماع الخاص في نظر الشارع فإنه المشروط بالشرائط المذكورة في باب انعقاد الجماعة شرعا، دون الاجتماع العرفي الذي لا يشترط فيه شئ، فلا مجال للتخيل المزبور لأن الجماعة المعتبرة شرعا هي