ومجرد إمكان الوجوب كما في الحج، أو في الاعتكاف في اليوم الثالث لا يمنع مع عدم الدليل على الوجوب، فتجري البراءة عنه.
وفيه: إن الوجوب المنفي إن أريد منه الوجوب التكليفي، فنفيه لا يقتضي إلا رفع اليد عن الجماعة المستحبة وهو بنفسه لا يقتضي إلا جواز إبطال المستحب، كما في إبطال النافلة أو الصوم المندوب كما هو مورد هذه الكلية، وهو لا يجدي في المقام بل يضربه، فإن ارتفاع الجماعة مع الاخلال بوظائف المنفرد يستلزم بطلان الصلاة مع أن الفرض هنا بقاء الجماعة فيما قبل الانفراد.
لا يقال: بعموم حرمة الابطال، وأصالة عدم التخصيص يحكم بعدم كون رفع اليد عن الجماعة ابطالا لها فيها قبل الانفراد، كما يقال: بأن زيدا المحكوم بعدم الاكرام عند تردده بين كونه زيدا العالم، أو زيدا الجاهل، يستكشف بأصالة عدم التخصيص في أكرم العلماء أنه زياد الجاهل.
لأنا نقول: مع عدم صحة هذا المبنى كما حرر في الأصول، إن بطلان الصلاة بترك القراءة وهي وظيفة المنفرد لا يرفع اليد عن الجماعة، فرفع اليد عن الجماعة يكشف عن عدم وقوع ما قبل الانفراد على صفة المطلوبية لاحتمال مطلوبية المجموع، فلا يتعين أن يكون مصداقا لابطال الصلاة حتى يكون جوازه كاشفا عن عدم كونه إبطالا فيجتمع جواز رفع اليد عن الجماعة، مع عموم حرمة إبطال الصلاة الواجبة وبطلان الصلاة بالاخلال بوظائف المنفرد، وإن أريد من الوجوب المنفي الوجوب الشرطي إذ لو كان الجماعة المستحبة متقومة بالايتمام في مجموع الأفعال لكان بقاء الائتمام مما لا بد منه في وقوع الصلاة جماعة مستحبة فمن الواضح كما أشرنا إليه مرارا أن المرجع مع اجمال دليل المخصص من حيث شموله للائتمام في بعض الأفعال هي عمومات أدلة القراءة وزيادة الركوع وعمل الشك فلا مجال لرفع الشرطية بأدلة البراءة بل إذا دار أمر الجماعة المستحبة بين كون الائتمام في مجموع الأفعال هي الجماعة المشروعة، أو كون الائتمام في كل فعل مشروعا، فإطلاق دليل المخصص المثبت لأحكام خاصة مرتبة على الجماعة المستحبة لا يعقل أن يكون متكفلا لتحقيق موضوعه فتدبر.