ورودهما أولا وآخرا على شئ واحد، وما نحن فيه أولى به، لارتباط أحدهما بالآخر حدوثا وبقاء، لا أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر كما في الوصية.
والجواب: أن المعاهدة والمعاقدة - إذا سلم أنها متقومة بالالتزام من الطرفين - فمن البين أن الارتباط أمر يقوم بطرفين محققين في ظرف الارتباط، فإن اكتفى المجيب بالارتباط الحاصل بين الالتزامين حدوثا فهو كالجوابين المتقدمين في عدم لزوم بقاء الموضوع، وقد مر دفعه، وإن التزم ببقاء الارتباط - كما هو ظاهره - فمن البين أن ارتباط موجود بمعدوم محال، ووحدة المتعلق توجب ورود التزامين عليه حدوثا وبقاء، لا ارتباط أحد الالتزامين بالآخر، فلا بد في تحقق الارتباط من تحقق الالتزامين في وعاء الارتباط، سواء كانا متقارنين حدوثا أو متفاوتين بالتقدم والتأخر من حيث الحدوث.
وأما النقض بالوصية فيمكن دفعه بكونها إيقاعا، وللموصى له رده، لا أنه من القبول المحقق للمعاقدة، كما يمكن أن يقال بالفرق بين الالتزام السابق الذي رجع عنه والالتزام الذي لم يرجع عنه وإن مات الملتزم، لما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى من اعتبار البقاء في مثله عرفا وشرعا.
ورابعها: ما عن غير واحد من الأعلام (2) من أن المعتبر في بقاء الموضوع الدليلي نظر العرف، والعقد باق بنظرهم، ولا ينحل بمجرد رجوع أحدهما عن التزامه من دون حق، وإنما الشك هنا في تأثير الرجوع شرعا، وحيث يجب ترتيب الآثار على هذا الموضوع الباقي بنظر العرف يستكشف منه عدم تأثير الرجوع شرعا، وإلا لكان محجورا عن ملكه بلا سبب من أسباب الحجر.
توضيحه: أن المراد بالعقد الباقي بنظر العرف ليس هو العقد اللفظي ولا العقد الانشائي بما هو مدلول الكلام، ولا التزام البائع والمشتري قلبا، لزوال كل ذلك قطعا على الفرض، فلا معنى لبقائه بنظر العرف، بل المراد بالعقد هو الأمر اللبي المعنوي