فصلت الدين عن السياسة بتاتا، وطلقت هذه من هذا ثلاثا، وإنه لم يبق من يخلط الدين بالسياسة، ويجعل للحكومة صبغة دينية إلا المسلمون الذين لم ينظروا إلى ما حولهم من المحدثات العصرية التي من جملتها جعل الدين في واد، والسياسة في واد، وقد مشت هذه الأغلوطة على كثير من المسلمين، وآمنوا، وصدقوا أن الدول الأوربية تفصت عن كل نزعة مسيحية، وأنها لا تعرف شيئا سوى الإنسانية العامة، وأن الدين المسيحي لا تهتم به حكومة من حكومات أوربا أكثر مما تهتم بغيره من الأديان، وإن كان المسلمون يريدون أن يفلحوا فلا مناص لهم من الاقتداء بالأوربيين في هذا المشرب، ولما كان الأوربيون قد نزعوا من حكوماتهم كل صبغة مسيحية كان المسلمين المقتدين بهم في طلب الفلاح أن ينزعوا من حكوماتهم كل صبغة إسلامية بحيث تنظر إلى الدين نظر من لا ناقة له ولا جمل (1) ".
وقد استجابت جملة من الحكومات القائمة في البلاد الإسلامية إلى هذه النزعة الاستعمارية فجردت عن كيانها جميع القيم الدينية، وراحت تسير في خطه لا تلتقي بأي صلة مع المفاهيم الإسلامية.
إن خداع المسلمين إن دينهم كالمسيحية لا يعالج القضايا السياسية، ولا يتعرض لمشاكل الحياة إنما هو تزييف للواقع، وافتراء محض يفضحه نظام الإسلام فإنه صريح واضح يفند هذه المزاعم، ويدحض هذه الأكاذيب، فإنه قد وضع المبادئ الأصيلة لسياسة الحكم وفنون الاقتصاد وتطرق لجميع جوانب الحياة فوضع لمشاكلها الحلول الحاسمة، وقد لمس ذلك بعض أحرار الفكر الأوربي ونسوق كلمات بعضهم للتدليل على ذلك يقول الدكتور " فتزجرالد ":