وبالجملة: لو حصل الافتراق عن النسيان أو الغفلة أو إطارة الريح والهواء يسقط به الخيار، وذلك لظهور أدلته بأن أمد الخيار عدم التفرق وبقاء الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حال العقد فإذا ارتفعت الهيئة فلا خيار بعده. وإطلاق المسقط عليه مسامحة، لأن التفرق بناء عليه غاية للخيار، وهو بنفسه ليس موضوعا للحكم، بل الموضوع له هو نقيضه، وهو عدم التفرق. فما قيل: من أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه لتبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل مضافا إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه، ممنوع جدا.
أما التبادر فلما ظهر تحقيقه في محله من عدم اعتبار الاختيار في مواد الأفعال ولا في هيئاتها، لاشتراكها بين أفعال السجايا وغيرها من الأعراض التسعة. نعم، الفعل في مقابل الانفعال اختياري.
وأما حديث الرفع ففيه:
أولا: أن النسيان مرفوع فيه أيضا، مع أن القائل باعتبار الاختيار مقابل الإكراه يلتزم بسقوط الخيار مع النسيان والغفلة، فيستكشف من السقوط في مورد النسيان أن ذات الافتراق بما أنه فعل لا بما هو صادر عن اختيار جعل من المسقطات. وحديث الرفع يجري فيما كان الفعل منوطا بالقصد - كالعقود والإيقاعات - ولم يؤخذ فيه عنوان العمد والالتفات ولا الخطأ والنسيان ولا الأعم، وإلا لم يرتفع بحديث الرفع كما بين في محله.
وثانيا: بعد تسليم عدم الاعتبار بذات الفعل وبعد تسليم أن المرفوع لا ينحصر في الحكم التكليفي، إلا أن مورد بعض المرفوعات منحصر في متعلق التكليف، كالحسد والوسوسة والطيرة، فتعميم الرفع لموضوعات التكاليف - كالسفر والحضر والتفرق - مع عدم الجامع بين المتعلق وموضوع التكليف لا وجه له، فيجب أن يراد منه أنه لو شرب المكلف نسيانا أو كرها أو أفطر كذلك فشربه كالعدم، لا أنه لو تحقق السفر أو الإقامة أو التفرق عن كره فوجوده كالعدم، ولذا لا يلتزم أحد بأنه لو أقام مثلا عن كره يجب عليه القصر.