شرائها ولو أعطى الأجرة للمشتري، لأن نفس كون الأرض في يد المالك بحيث يتصرف فيها ما يشاء له مالية لا تتدارك بأجرة الأرض. وعدم تعرض الأساطين لأرش النقص وذكر أجرة المثل وحدها إنما هو لإيكال الأمر إلى محله، وهو ضمان الصفات التي بها تتفاوت المالية.
وبالجملة: ولو قلنا باستحقاق مالك الغرس للإبقاء إلا أنه مع ذلك يجب عليه أجرة المثل في ما بعد الانفساخ، لأن عدم جواز القلع لمالك الأرض تكليفي لا ينافي ثبوت الأجرة له، كما في جواز أكل مال الناس في المخمصة، فإنه لا ينافي الضمان، فالضمان يجتمع مع حق البقاء.
ثم إنه قد ظهر أن وجه ثبوت حق البقاء له هو حرمة المال، لا الضرر الوارد عليه، لأن الضرر عليه معارض بضرر المالك. ولا يقاس بالضرر الوارد على الجار من جهة تصرف صاحب الدار في أن ضرر صاحب الدار لا يرتفع بقاعدة لا ضرر، لأن الضرر عليه نشأ من قاعدة لا ضرر في حق الجار. فقصر السلطنة الناشئة عن لا ضرر إذا كان ضرريا لا يرتفع بلا ضرر، لأن الموضوع المتولد من الحكم على موضوع لا يشمله هذا الحكم، وهذا بخلاف المقام، فإن كل واحد من ضرر مالك الأرض وضرر صاحب الغرس في عرض واحد، فلا يمكن أن يكون أحدهما مرفوعا بلا ضرر دون الآخر.
ثم إنه بناء على أن يكون جواز القلع دائرا مدار الضرر فوجه فتوى المشهور " بأن الزرع ليس حكمه حكم الشجر في جواز قلعه لمالك الأرض " ظاهر، لا لما قيل: من أن للزرع أمدا ينتظر، فإن مجرد ذلك لا يوجب الفرق، بل لأن بقاء الزرع إلى زمان الحصاد ليس ضررا على مالك الأرض، فإن الأرض معدة في طبعها للزراعة واستيفاء منفعتها. فإذا أمكن استيفاؤها بأخذ الأجرة من مالك الزرع لم يتوجه ضرر على مالك الأرض، حتى يتعارض الضرران. وهذا بخلاف بقاء الأرض مشغولة بالشجر مدة مديدة، فإنه ضرر على مالكها ولو استوفى أجرة الأرض. ولذا لو أعطى غاصب الدار أجرتها أزيد مما يعطيه غيره لكان نفس عدم تسلط المالك على داره ضررا عليه.