وثانيا: على فرض تسليم هذه المقدمة والالتزام بأن كل ما كان ربويا في عصر الشارع فهو ربوي إلى يوم القيامة بأن يقيد عنوان المكيل والموزون بما كان مكيلا أو موزونا في عصره، لا مطلقا، إلا أن اشتراط جريان الربا في معاملة بكون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه لا ينتج، إلا أنه من جهة التخلص عن الربا وعدم التفاضل لا بد من الكيل والوزن حتى يباع الشئ متساويا.
وأما اعتبار الكيل والوزن من جهة الغرر فلا يستنتج من هذه الشرطية.
وبعبارة أخرى: كون جريان الربا في معاملة مشروطا بأن يكون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه بمنزلة شرط الوجوب.
وأما كون الربا في عصره مستلزما لجريان الربا إلى الأبد وملازما لاعتبار الكيل أو الوزن في الأعصار اللاحقة فهو بمنزلة شرط الواجب، فيعتبر للتخلص من الربا الكيل أو الوزن. وأما اعتبار أصل الكيل والوزن في صحة المعاملة فلا دليل عليه.
وحاصل الكلام: أنه لو سلمنا قيام الإجماع على أن ما كان ربويا في عصر الشارع فهو ربوي دائما، وسلمنا الملازمة بين كون الشئ ربويا وكون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه بأن رتبنا القياس الاستثنائي، وهو: أن كل ما كان ربويا يشترط في صحة بيعه الكيل أو الوزن، وهذا ربوي فيشترط في صحة بيعه الكيل أو الوزن، إلا أن هذا الإجماع مع هذا القياس لا ينتج إلا ضد ما قصده المصنف (قدس سره)، لأن توقف جريان الربا في معاملة على كون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه لا يخلو إما أن يكون منشؤه هو التخلص من الربا، بحيث إنه لو جعل الأثمان مقابل هذا الشئ لا جنسه يصح بيعه بلا كيل ولا وزن، وإما أن يكون منشؤه أن قوام ماليته بالتقدير لكونه في غاية العزة والغلاء.
وعلى كلا التقديرين لا ينتج ما قصده، بل التقدير الأخير مناقض لما قصده.
أما على الأول فلأن توقف التخلص من الربا على الكيل أو الوزن لا يلازم كون الشئ مكيلا أو موزونا، لأنه يصح بيعه بعوض من غير جنسه بلا كيل أو وزن.