وبالجملة: هذه القضية حقيقية كسائر القضايا الشرعية، وعلى فرض اختصاصها بباب الربا بأن يقال: المدار فيه على المصداق الخارجي من المكيل والموزون، وهو الذي كان معنونا بهذا العنوان في عصر الشارع بحيث إذا كان شئ مكيلا في عصره لا يجوز التفاضل عليه إلى يوم القيامة ولو بيع في العصر السابق على عصره مشاهدة، أو بيع بعد عصره كذلك إلا أنه لم يقم دليل على أن المدار في الغرر على الكيل في زمانه (صلى الله عليه وآله)، بحيث إنه إذا كان شئ مكيلا في المدينة المنورة أو في سائر البلاد في عصره ثم يباع بغير كيل ووزن في الأعصار المتأخرة يبطل بيعه.
وما أفاده المصنف (قدس سره) في قوله: ثالثا.... إلى آخره (1) لا يستقيم، لأن حاصل ما ذكره مركب من مقدمتين:
أولاهما: أن ما كان ربويا في عصر الشارع ربوي إلى يوم القيامة.
وثانيهما: أن من شرط جريان الربا في معاملة كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه، فضم المقدمة الثانية إلى الأولى ينتج: أن ما كان مكيلا في عصر الشارع لا بد أن يكال إلى يوم القيامة، وما كان موزونا لا بد أن يوزن، وما يباع في عصره جزافا يصح بيعه كذلك وإن تعارف وزنه لعزته وقلة وجوده.
والسر في استفادة هذه النتيجة ظاهر، لأنه لو قام الإجماع على أن ما كان ربويا في عصره يكون ربويا إلى الأبد، وثبت أن شرط الربا هو أن يكون الكيل أو الوزن شرطا في صحته فيثبت الملازمة بين كون الشئ مكيلا في عصره وكونه مكيلا في الأعصار اللاحقة.
ولكنك خبير بما فيه أما أولا: فلمنع المقدمة الأولى، فإن ظاهر أدلة الربا أنه يدور الحكم مدار كون الشئ مكيلا أو موزونا، وهذه قضية حقيقية يدور الحكم مدار تحقق موضوعه في كل عصر، وذلك لا يستلزم النسخ، لأنه رفع الحكم عن موضوعه، لا اختلافه بتبدل موضوعه.