وأما على الثاني فعدم صحة بيع الشئ بلا كيل ولا وزن لتوقف معرفة مقدار ماليته عليهما يقتضي صحة بيعه بدونهما إذا صار الشئ مبذولا بحيث لا يتوقف معرفة مقدار ماليته عليهما، فتوقف جريان الربا في معاملة على كون الشئ مكيلا أو موزونا من باب توقف ماليته على التقدير بهما مناقض لما ادعاه: من اعتبار الكيل والوزن في شئ كان مكيلا أو موزونا في عصر الشارع، فتدبر جيدا.
هذا، مع أنه يمكن أن يقال: إن تقييد جريان الربا في معاملة يكون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه إنما هو في مرحلة الحدوث دون البقاء، وذلك لما يحكى عن التنقيح: من دعوى الإجماع على أن ما كان مكيلا أو موزونا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) في جميع البلدان أو كل بلد جرى فيه الربا وإن تغير بعد ذلك، وما لم يكن من أحدهما لا يجري فيه الربا وإن تغير بعد ذلك وصار من أحدهما (1)، ولازم ذلك أن جريان الربا في معاملة وإن اعتبر فيه الكيل والوزن إلا أن اعتبارهما إنما هو في عصر الشارع. وأما التغيير بعد ذلك وصيرورة الشئ غير مكيل أو موزون فلا ينافي ثبوت الربا فيه. ومرجع هذا الكلام إلى أن الربوي في عصر الشارع ربوي دائما، ولكن كون الشئ مكيلا أو موزونا يختلف باختلاف الأعصار.
وحاصل الكلام: أن ما أسنده صاحب الحدائق إلى الأصحاب: من أن المناط في المكيل والموزون المعتبرين في صحة البيع ما كانا كذلك في زمان الشارع ولو في غير مسألة الربا (2) - وأيده المصنف (3) (قدس سره) - من غرائب الكلام!
وأغرب من ذلك تمسكه لذلك بأن المرجع في الألفاظ الواردة في لسان الشارع إلى عرفه (4) (صلى الله عليه وآله)! لأن هذا الكلام إنما يتم في الماهيات المجعولة منه، لا مطلق الألفاظ الواردة والمستعملة في لسانه، فإن مرجعها إلى العرف، وذلك واضح.