لأنا نقول: وإن كان هذا المال في عالم الاعتبار قاصرا عما عليه سائر الأموال إلا أنه ليس كالعدم بحيث يعد تالفا، وقاعدة كون التلف قبل القبض من مال بائعه تختص بما إذا تلف حقيقة، ولا تشمل ما إذا نقصت ماليته. ولذا لو باع الجمد في الصيف أو الماء في المفازة ولم يسلمه إلا في مكان نقصت قيمته وضعفت اعتباريته العقلائية لا يلتزمون بانفساخ المعاملة لقاعدة التلف قبل القبض.
وكيف كان فهذا المناط أيضا يقتضي فساد الإجارة لو لم يمكن لمالك الدار تسليمها إلى المستأجر، ولا للمستأجر تسلمها، ويقتضي الصحة مع الخيار لو طرأ العجز للمالك، أو كان المستأجر قادرا على الاستيفاء.
نعم، استدل العلامة أيضا على ذلك بالنبوي المشهور بين الفريقين، وهو " نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر " (1)، والظاهر أنه من أقضيته (صلى الله عليه وآله) التي جمعها أحمد بن حنبل في مسنده (2) ورواها عنه (صلى الله عليه وآله) عبادة بن الصامت الذي هو من خيار الصحابة. ولكن أصحابنا - رضوان الله عليهم - فرقوها في الأبواب. وحيث إن الرواية مشهورة وهي مستند الأصحاب في الفتوى فلا يضر إرسالها.
وأما دلالتها فأهل اللغة وإن اختلفوا في تفسير الغرر.
فبعضهم (3) جعله من الغرة بمعنى: الغفلة.
وبعضهم (4) من التغرير بمعنى: الخدعة والإغفال.
وبعضهم (5) فسره بالخطر. إلا أن مرجع الكل واحد، غاية الأمر بعضهم أخذ