العملية، فالعادل بالحقيقة يجب أن يكون حكيما عالما بالنواميس الإلهية الصادرة من عند الله سبحانه لحفظ المساواة.
وقد ذكر علماء الأخلاق أن العدول ثلاثة: " الأول " العادل الأكبر، وهو الشريعة الإلهية الصادرة من عند الله سبحانه لحفظ المساواة. " الثاني " العادل الأوسط، وهو الحاكم العادل التابع للنواميس الإلهية والشريعة النبوية فإنه خليفة الشريعة في حفظ المساواة. " الثالث " العادل الصامت، وهو الدينار لأنه يحفظ المساواة في المعاملات والمعاوضات.
بيان ذلك: أن الإنسان مدني بالطبع فيحتاج بعض أفراده إلى بعض آخر، ولا يتم عيشهم إلا بالتعاون، فيحتاج الزارع إلى عمل التاجر وبالعكس والنجار إلى عمل الصباغ وبالعكس، وهكذا فتقع بينهم معاوضات، فلا بد من حفظ المساواة بينها دفعا للتنازع والتشاجر، ولا يمكن حفظها بالأعمال لاختلافها بالزيادة والنقصان والقلة والكثرة وغير ذلك، وربما كان أدنى عمل مساويا لعمل كثير كنظر المهندس، وتدبير صاحب الجيش، فإن نظرهما في لحظة واحدة بما ساوى عملا كثيرا لمن يعمل ويحارب، فحفظ المساواة بينها بالدينار والدرهم بأن تقوم بهما الأعمال والأشياء المختلفة، ليحصل الاعتدال والاستواء، ويتبين وجه الأخذ والإعطاء، وتصح المشاركات والمعاملات على نهج لا يتضمن إفراطا ولا تفريطا قيل: وقد أشير إلى العدول الثلاثة في الكتاب الإلهي بقوله سبحانه:
(وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) (15).
فإن الكتاب إشارة إلى الشريعة، والميزان إلى آلة معرفة النسبة بين المختلفات ومنها الدينار، والحديد إلى سيف الحاكم العادل المقوم للناس على الوسط.
هذا والمقابل المعادل - أعني الجائر المبطل للتساوي أيضا - أما جائر أعظم - وهو الخارج عن حكم الشريعة - ويسمى كافرا - أو جائر أوسط - وهو من لا يطيع عدول الحكام في الأحكام - ويسمى طاغيا وباغيا - أو